Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 107-107)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذا كلام الربوبية المستغنية عن الخلق ، فالله سبحانه وتعالى خلق الناس ، ودعاهم إلى الإيمان به ، وأن يحبوه لأنه يحبهم ، ويعطيهم ، ولا يأخذ منهم لأنه في غِنىً عن كل خلقه . ويأتي الكلام عن الضُّر هنا بالمسِّ ، { وَإِن يَمْسَسْكَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ … } [ يونس : 107 ] . ونحن نعلم أن هناك " مساً " و " لمساً " و " إصابة " . وقوله سبحانه هنا عن الضر يشير إلى مجرد المسِّ ، أي : الضر البسيط ، ولا تَقُلْ : إن الضر ما دام صغيراً فالخلق يقدرون عليه ، فلا أحد يقدر على الضر أو النفع ، قَلَّ الضر أم كَبُرَ ، وكَثُر النفع أو قَلَّ ، إلا بإذن من الله تعالى . والحق سبحانه وتعالى يذكر الضر هنا بالمسّ ، أي : أهون الالتصاقات ، ولا يكشفه إلا الله سبحانه وتعالى . ومن عظمته - جَلَّ وعلا - أنه ذكر مع المس بالضر ، الكشفَ عنه ، وهذه هي الرحمة . ثم يأتي سبحانه بالمقابل ، وهو " الخير " ، وحين يتحدث عنه الحق سبحانه ، يؤكد أنه لا يرده . ونحن نجد كلمة { يُصَيبُ } في وَصْف مجيء الخير للإنسان ، فالحق سبحانه يصيب به من يشاء مِنْ عباده . ويُنهي الحق سبحانه وتعالى الآية بهذه النهاية الجميلة في قوله تعالى : { … وَهُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } [ يونس : 107 ] . وهكذا تتضح لنا صورة جلال الخير المتجلي على العباد ، ففي الشر جاء به مسّاً ، ويكشفه ، وفي الخير يصيب به العباد ، ولا يمنعه . والله تعالى هو الغفور الرحيم لأنه سبحانه لو عامل الناس - حتى المؤمنين منهم - بما يفعلون لعاقبهم ، ولكنه سبحانه غفور ورحيم لأن رحمته سبقت غضبه ولذلك نجده سبحانه في آيات النعمة يقول : { وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَآ … } [ النحل : 18 ] . وجاء الحق سبحانه بالشكِّ ، فقال { إِن } ولم يقل : " إذا تعدون نعمة الله " لأن هذا أمر لن يحدث ، كما أن الإقبال على العَدِّ هو مظنَّة أنه يمكن أن يحصي فقد تُعدُّ النقود ، وقد يَعدّ الناظر طلاب المدرسة ، لكن أحداً لا يستطيع أن يُعدّ أو يُحصى حبَّات الرمال مثلاً . وقال الحق سبحانه وتعالى : { وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَآ … } [ النحل : 18 ] . وهذا شَكُّ في أن تعدوا نِعمة الله . ومن العجيب أن العدَّ يقتضي التجمع ، والجمع لأشياء كثيرة ، ولكنه سبحانه جاء هنا بكلمة مفردة هي { نِعْمَةَ } ولم يقل : " نِعَم " فكأن كل نعمة واحدة مطمور فيها نِعَمٌ شتَّى . إذن : فلن نستطيع أن نعدَّ النِّعَم المطمورة في نعمة واحدة . وجاء الحق سبحانه بذكر عَدِّ النعم في آيتين : الآية الأولى تقول : { … وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ ٱلإنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ } [ إبراهيم : 34 ] . والآية الثانية تقول : { وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَآ إِنَّ ٱللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } [ النحل : 18 ] . وصَدْر الآيتين واحد ، ولكن عَجُزَ كل منهما مختلف ، ففي الآية الأولى : { … إِنَّ ٱلإنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ } [ إبراهيم : 34 ] . وفي الآية الثانية : { … إِنَّ ٱللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } [ النحل : 18 ] . لأن النعمة لها مُنْعِم ومُنْعَم عليه ، والمنعَم عليه - بذنوبه - لا يستحق النعمة لأنه ظلوم وكفار ، ولكن المنعم سبحانه وتعالى غفور ورحيم ، ففي آية جاء مَلْحظ المنعِم ، وفي آية أخرى جاء ملحظ المنعَم عليه . ومن ناحية المنعَم عليه نجده ظَلُوماً كفَّاراً لأنه يأخذ النعمة ، ولا يشكر الله عليها . ألم تَقْلُ السماء : يارب ! ائذن لي أن أسقط كِسَفاً على ابن آدم فقد طَعِم خيرك ، ومنع شكرك . وقالت الأرض : ائذن لي أن أنخسف بابن آدم فقد طَعِم خيرك ، ومنع شكرك . وقالت الجبال : ائذن لي أن أسقط على ابن آدم . وقال البحر : ائذن لي أن أغرق ابن آدم الذي طَعِم خيرك ، ومنع شُكْرك . هذا هو الكون الغيور على الله تعالى يريد أن يعاقب الإنسان ، لكن الله سبحانه رب الجميع يقول : " دعوني وعبادي ، لو خلقتموهم لرحمتموهم ، إنْ تابوا إليَّ فأنا حبيبهم ، وإنْ لم يتوبوا فأنا طبيبهم " . ويقول الحق سبحانه بعد ذلك : { قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدْ جَآءَكُمُ ٱلْحَقُّ … } .