Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 10-10)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

دعواهم : أي دعاؤهم . وهل الآخرة دار تكليف حتى يواصلوا عبادة الله ؟ لا ، ولكنها عبادة الالتذاذ ، وهم كُلَّما رأوا شيئاً يقولون : لقد أكلنا ذلك من قبل ، ولكنهم يعرفون حين يأكلون ثمار الجنة أن ما في الأرض كان يشبه تلك الثمار ، لكنه ليس مثلها . { قَالُواْ هَـٰذَا ٱلَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً … } [ البقرة : 25 ] . أو يقولون : { سُبْحَانَكَ ٱللَّهُمَّ } اعترافاً بالنعمة ، وأنت حين ترى شيئاً يعجبك تقول : سبحانك يا رب . وبعد أن تأتي لك النعمة وتقول : سبحان الله ، وتُفاجَأ بأشياء لم تكن في الحسبان - من فرط جمالها فتقول : الحمد لله . إذن : فأنت تستقبل النعمة " بسبحان الله " ، وينتهي من النعمة " بالحمد لله " . ولذلك يقول الحق سبحانه : { وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } والذي يجعل للحياة الدنيا معنى ، ويجعل لها طعماً ويجعل لها استقراراً ، أن يكون الإنسان في سلام ، ومعنى السلام : الاطمئنان والرضا فلا مُهيِّجات ، ولا مُعكِّرات ، ولا يأتي ذلك إلا بعدم اصطدام في ملكات النفس فيتحقق سلام الإنسان مع نفسه ، وسلام الإنسان مع أهله ، وهذا هو المحيط الثاني ، وسلام الإنسان مع قومه ، وسلام الإنسان مع العالم كله ، كل ذلك اسمه سلام ، لا مُنغِّص ، لا من نفسه ، ولا من أهله ، ولا من قومه ، ولا من العالم . وكلما اتسعت رقعة السلام زاد الإحساس الإنسان بالاطمئنان . وحين يقول الحق سبحانه : { وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ } ، فالسلام وارد في أشياء متعددة ، والحق سبحانه يقول : { إِنَّ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ ٱليَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ * هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلاَلٍ عَلَى ٱلأَرَآئِكِ مُتَّكِئُونَ * لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَّا يَدَّعُونَ * سَلاَمٌ قَوْلاً مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ } [ يس : 55 - 58 ] . وهذا هو السلام الذي له معنى فهو سلام من الله . ولم يقل سبحانه : " سلام يورثك اطمئناناً ونفساً راضية " فقط ، بل هو سلام بالقول من الله ، وانظر أي سعادة حين يخاطبك الحق سبحانه وتعالى مباشرة . وهناك فرق بين أن يشيع الله فيك السلام وبين أن يحييك كلامه بالسلام . وهذا هو السبب في قوله : { سَلاَمٌ قَوْلاً مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ } [ يس : 58 ] . وهذا سلام الله ، ثم من بعده هذه المنزلة يأتي سلام الملائكة : { وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ * سَلاَمٌ عَلَيْكُم … } [ الرعد : 23 - 24 ] . إذن : فقول الحق هنا : { وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ } نجد فيه كلمة السلام رمز الرضا والاستقرار في الجنة فالسلام هو أول الأحاسيس التي تحبها في نفسك ، ولو كانت الناس كلها ضدك . لكنك ساعة تستقر ، فأنت تسائل نفسك : ماذا فعلت ليكون البعضُ ضدي ؟ وحين تجيب نفسك : " إنني لم أفعل إلا الخير " فأنت تحس السلام في نفسك ، وإذا ما رحَّب الآخرون بما تفعل ، فالحياة تسير ، بلا ضدّ ولا حقد ، وهذا ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة " فيدخل رجل عرفه القوم فلما انصرف قام واحد من الصحابة ، وذهب إلى الرجل ليعلم ماذا يصنع ، وسأله : ماذا تفعل حتى يبشّرك الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنة ؟ فوجد سلوك الرجل مستقيماً ومتبعاً للمنهج دون زيادة ، فسأله الصحابي : لماذا - إذن - بشّرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة ؟ قال الرجل : والله إني لأصلّي كما تصلّون ، وأصوم كما تصومون ، وأزكّي كما تزكون ، ولكني أبيت وما في قلبي غلٌّ لأحد . هذا هو السلام النفسي ، وإذا ما وصل الإنسان إلى السلام مع النفس فلا تضيره الدنيا إن قامت ، وبعد ذلك يضمن أن يوجد سلامه مع الله تعالى ، ومن عنده سلام مع نفسه ، ومع بيئته ، ومع مجتمعه فهو ينال سلاماً من الله سبحانه . ويقول لنا القرآن عن الذين يعانون من مأزق في الآخرة : { يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ } [ هود : 105 ] . هؤلاء هم الذين شقوا في النار ، أما الذين سُعدوا ففي الجنة ، فماذا عن حال الذين لا هم شقوا ولا هم سعدوا - وهم أهل الأعراف لأن الموقف يوم القيامة ينقسم الناس فيه إلى ثلاثة أقسام فقد قال الله سبحانه : { فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ } [ القارعة : 6 - 9 ] . ولم يقل الحق سبحانه لنا أمر الذين تساوت الكفتان لهم أثناء الحساب لأنه سبحانه قال في حديث قدسي : " إن رحمتي غلبت غضبي " . ويبين لنا الحق سبحانه رحمته فيقول : { وَنَادَىۤ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ أَصْحَابَ ٱلنَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً قَالُواْ نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّالِمِينَ } [ الأعراف : 44 ] . ويأتي أمر رجال الأعراف فيقول سبحانه : { وَعَلَى ٱلأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ … } [ الأعراف : 46 ] . لقد عرفوا المؤمنين بسيماهم ، وعرفوا الكفار بسيماهم ، وجليس البعض على الأعراف ينتظرون وينظرون لأهل الجنة قائلين : { سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ } [ الأعراف : 46 ] . ثم يعطينا الحق سبحانه صورة ثانية فيقول : { وَنَادَىٰ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } [ الأعراف : 50 ] . أهل الأعراف - إذن - يسعدون بعطاء الله لأهل الجنة ، ويطمعون أن يغفر الله - سبحانه وتعالى - لهم . ونحن في حياتنا نسمع المشرفين على المساجين أو المحكوم عليهم بالإعدام يقولون : قبل أن يحكم على المجرم بالإعدام ينخفض وزنه ، ثم يزيد بعد الحكم لأن الأمر قد استقر . والذين يُشغلون بأن يعرفوا مكانهم في الآخرة ، أهو في الجنة أو في النار ، لا ينسون أن يقولوا للمؤمنين : { أَن سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ … } [ الأعراف : 46 ] . وهنا يقول الحق سبحانه عن أهل الجنة : { وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } وقد تكون آخر دعواهم ، أي : آخر كلمة . فالواحد منهم يقول : أنا حمدت ربنا على الشيء الفلاني والشيء الفلاني . وآخر حَمْد هو قمة الحمد لأنهم حمدوا الله على النعمة في الدنيا التي تزول ، ويحمدونه في الآخرة على النعمة التي لا تزول ، فلئِنْ يوجد حَمْد على النعمة التي لا تزول فهو قمة الحمد . ويقول الحق سبحانه بعد ذلك : { وَلَوْ يُعَجِّلُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ ٱلشَّرَّ ٱسْتِعْجَالَهُمْ … } .