Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 17-17)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وهنا يوضح القرآن على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم : أأكذب على الله ؟ إذا كنت لم أكذب عليكم أنتم في أموري معكم وفي الأمور التي جرَّبتموها ، أفأكذب على الله ؟ ! إن الذي يكذب في أول حياته من المعقول أن يكذب في الكِبَر ، وإذا كنت لم أكذب عليكم أنتم ، فهل أكذب على الله ؟ وإذَا لم أكن قد كذبت وأنا غير ناضج التفكير ، في طفولتي قبل أن أصل إلى الرجولة ، فأنا الآن لا أستطيع الكذب . فإذا كنتم أنتم تتهمونني بذلك ، فأنا لا أظلم نفسي وأتهمها بالكذب ، فتصبحون أنتم المكذبين لأنكم كذبتموني في أن القرآن مبلغ عن الله ، ولو أنني قلت : إنه من عند نفسي لكان من المنطق أن تُكذِّبوا ذلك لأنه شرف يُدَّعى . ولكن أرفعه إلى غيري إلى من هو أعلى مني ومنكم . وقوله الحق : { فَمَنْ أَظْلَمُ } أي : لا أحد أظلم ممن افترى على الله سبحانه كذباً لأن الكاذب إنما يكذب ليدلِّس على من أمامه ، فهل يكذب أحد على من يعلم الأمور على حقيقتها ؟ لا أحد بقادر على ذلك . ومن يكذب على البشر المساوين له يظلمهم ، لكن الأظلم منه هو من يكذب على الله سبحانه . والافتراء كذب متعمد ، فمن الجائز أن يقول الإنسان قضية يعتقدها ، لكنها ليست واقعاً ، لكنه اعتقد أنها واقعة بإخبار من يثق به ، ثم تبين بعد ذلك أنها غير واقعة ، وهذا كذب صحيح ، لكنه غير متعمد ، أما الافتراء فهو كذب متعمد . ولذلك حينما قسم علماء اللغة الكلام الخبري قسموه إلى : خبر وإنشاء ، والخبر يقال لقائله : صدقت أو كذبت ، فإن كان الكلام يناسب الواقع فهو صدق ، وإن كان الكلام لا يناسب الواقع فهو كذب . وقوله الحق : { ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ } يبين لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن قلتم إنني ادعيت أن الكلام من عند الله ، وهو ليس من عند الله . فهذا يعني أن الكلام كذب وهو من عندي أنا ، فما موقف من يكَذب بآيات الله ؟ إن الكذب من عندكم أنتم ، فإن كنتم تكذبونني وتدَّعون أني أقول إن هذا من الله ، وهو ليس من الله ، وتتمادون وتُكذِّبون بالآيات وتقولون هي من عندك ، وهي ليست من عندي ، بل من عند الله فالإثم عليكم . والكذب إما أن يأتي من ناحية القائل ، وإما من ناحية المستمع ، وأراد الرسول صلى الله عليه وسلم عدالة التوزيع في أكثر من موقع ، مثلما يأتي القول الحق مبيِّناً أدب النبوة : { وَإِنَّآ أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ … } [ سبأ : 24 ] . وليس هناك أدب في العرض أكثر من هذا ، فيبين أن قضيته صلى الله عليه وسلم وقضيتهم لا تلتقيان أبداً ، واحدة منهما صادقة والأخرى كاذبة ، ولكن من الذي يحدد القضية الصادقة من الكاذبة ؟ إنه الحق سبحانه . وتجده سبحانه يقول على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم : { أَوْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } وفي ذلك طلب لأن يعرضوا الأمر على عقولهم ليعرفوا أي القضيتين هي الهدى ، وأيهما هي الضلال . وفي ذلك ارتقاء للمجادلة بالتي هي أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم . ويقول الحق سبحانه : { قُل لاَّ تُسْأَلُونَ عَمَّآ أَجْرَمْنَا وَلاَ نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ … } [ سبأ : 25 ] . أي : كل واحدة سيُسأل عن عمله ، فجريمتك لن أسأل أنا عنها ، وجريمتي لا تُسأل أنت عنها . ونسب الإجرام لجهته ولم يقل : " قل لا تُسألون عما أجرمنا ولا نُسأل عما تجرمون " وشاء ذلك ليرتقي في الجدل ، فاختار الأسلوب الذي يُهذِّب ، لا ليهيِّج الخصم فيعاند ، وهذا من الحكمة حتى لا يقول للخصم ما يسبب توتره وعناده فيستمر الجدل بلا طائل . وهنا يقول الحق سبحانه : { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } فإذا كان الظلم من جهتي فسوف يحاسبني الله عليه ، وإن كان من جهتكم فاعلموا قول الحق سبحانه : { إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلْمُجْرِمُونَ } ولم يحدد من المجرم ، وترك الحكم للسامع . كما تقول لإنسان له معك خلاف : سأعرض عليك القضية واحكم أنت ، وساعة تفوضه في الحكم فلن يصل إلا إلى ما تريد . ولو لم يكن الأمر كذلك لما عرضت الأمر عليه . ويقول الحق سبحانه من بعد ذلك : { وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ … } .