Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 25-25)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ودار السلام : هي الآخرة التي تختلف عن دار الدنيا المليئة بالمتاعب ، هذه الدنيا التي تزهو وتتزخرف ، وتنتهي إلى حطيم لذلك يدعو الله تعالى إلى دار أخرى ، هي دار السلام لأن من المنغِّصات على أهل الدنيا ، أن الواحد منهم قد يأخذ حظه جاهاً ، ومالاً ، وصحة ، وعافية ، ولكن في ظل أرق من أمرين : الأول هو الخوف من أن يفوته هذا النعيم وهو حي ، والثاني أن يفوت هو النعيم . أما الآخرة فالإنسان يحيا فيها في نعيم مقيم ولذلك يقول الله سبحانه : { وَٱللَّهُ يَدْعُوۤاْ إِلَىٰ دَارِ ٱلسَّلاَمِ } . وهذه الآخرة لن يشاغب فيها أحدٌ الآخر ، ولن تجد من يأكل عرق غيره مثلما يحدث في الدنيا ، وإذا كنا نعيش في الدنيا بأسباب الله ، فنحن في الآخرة نعيش بالله سبحانه وتعالى ، فكل ما يخطر على بالك تجده . فإذا كانت الأسباب تتنوع في الدنيا وتختلف قدرات الناس فيها مع أخذهم بالأسباب ، فإنهم في الآخرة يعيشون مع عطاء الله سبحانه دون جهد أو أسباب لأن دار السلام هي دار الله تعالى ، فالله تعالى هو السلام . ولله المثل الأعلى ، فأنت إذا دعاك ولي أمرك إلى داره ، فهو يُعدّ لدعوتك على قدره هو ، وبما يناسب مقامه ، فما بالك حين يدعوك خالقك سبحانه وقد اتبعت منهجه . إنه سبحانه هو القائل : { إِنَّ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ ٱليَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ * هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلاَلٍ عَلَى ٱلأَرَآئِكِ مُتَّكِئُونَ * لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَّا يَدَّعُونَ * سَلاَمٌ قَوْلاً مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ } [ يس : 55 - 58 ] . وهذا السلام ليس من البشر لأن من البشر من يعطيك السلام وهو يُكِنُّ لك غير السلام ، أو قد يعطيك السلام وهو يريد بك السلام ، ولكنه من الأغيار فيتغير فلا يقدر أن يعطيك هذا السلام ، لكن إذا ما جاء السلام من الله تعالى ، فهو سلام من رب لا يعجزه شيء ، ولا يُعوزه شيء ، ولا تلحقه أغيار لذلك يقول سبحانه : { وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ * سَلاَمٌ عَلَيْكُم } [ الرعد : 23 - 24 ] . والملائكة حين يقولون ذلك إنما أخذوا سلامهم من باطن سلام الله تعالى ، وحتى أصحاب الأعراف الذين لم يدخلوا الجنة ، ويرون أهل الجنة وأهل النار ، هؤلاء يلقون السلام على أهل الجنة . وهكذا يحيا أهل الجنة في سلام شامل ومحيط ومطمئن لأن الداعي هو الله سبحانه ، ولا أحد يجبره على أن ينقض سلامه . ودعوة الله سبحانه هي منهجه الذي أرسل به الرسل ليحكم به حركة الحياة حركة إيمانية ، يتعايش فيها الناس تعايشاً على وَفْق منهج الله تعالى ، بما يجعل هذه الدنيا مثل الجنة ، ولكن الذي يرهق الناس في الدنيا أن بعض الناس يعطلون جزئية أو جزئيات من منهج الله سبحانه . وأنت إذا رأيت مجتمعاً فيه لون من الشقاء في أي جهة فاعلمْ أن جزءاً من منهج الله تعالى قد عُطِّل . ولو أن الناس قد ساروا على منهج الله سبحانه وتعالى لما كان بالوجود عورة واحدة فالذي يُظهر عورات الوجود هو غفلة بعض الناس عن منهج الله سبحانه . وأنت إنْ رأيت فقراء لا يجدون ما يأكلونه فاعلمْ أن هناك مَنْ عطَّل منهج الله تعالى ، إما من الفقراء أنفسهم ، الذين استمرأ بعضهم الكسل ، وإما أن الأغنياء قد ضنوا برعاية حق الله تعالى في هؤلاء الفقراء وبذلك يتعطل منهج الله سبحانه . أما إذا سيطر منهج الله تعالى على الحياة لصارت الحياة مثل الجنة . ويقول الحق سبحانه : { وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } ونعلم أن الهداية نوعان : هداية الدلالة بالمنهج ، فمن أخذ المنهج سهَّل الله تعالى له طريق الصراط المستقيم وبذلك انتقل العبد من مرحلة الهداية بالدلالة إلى الهداية بالمعونة ، وحين تقوم القيامة يهديهم الله سبحانه بالنور إلى الجنة : { يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ … } [ يونس : 9 ] . إذن : فمن أخذ هداية الله بالدلالة وهي المنهج ، واتبع هذا المنهج فالحق سبحانه يجعل له نوراً يسعى بين يديه : { نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ … } [ التحريم : 8 ] . والحق سبحانه يقول : { وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ } [ يونس : 25 ] . لأن كل شيء في هذا الكون لا يخرج عن مشيئته سبحانه ، فالقوانين لا تحكمه ، بل هو الذي يحكم كل شيء . وإذا كان الله قد بيّن من شاء هدايته ، فهو أيضاً قد بيّن لنا من شاء إضلاله بقوله سبحانه : { وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْكَافِرِينَ } [ التوبة : 37 ] . وقوله سبحانه : { وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَاسِقِينَ } [ التوبة : 24 ] . إذن : فقد بيّن الحق سبحانه لنا من الذين يهديهم إلى الجنة ومن الذين لا يهديهم ، فلا يقولن أحد : وما ذنب الكافرين والفاسقين ؟ لأن الحق سبحانه قد بين منهجه ، فمن أخذ به جعل له نوراً يسعى بين يديه ، ويدخله الجنة . وبعد ذلك يقول الحق سبحانه : { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ٱلْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ … } .