Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 28-28)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

والحشر : هو أخذ الناس من أمكنة متعددة إلى مكان واحد ، وستقذف هذه الأمكنة المتعددة مَنْ فيها مِنَ الكَفَرة ليصيروا في المكان الذي شاءه الله سبحانه لهم . وكلما اقترب الناس من هذا المكان ازدحموا ، وذلك شأن الدائرة بمحيطها ، والمحيطات الداخلة فيها إلى أن تلتقي في المركز ، فأنت إذا نظرت إلى محيط واسع في دائرة ، وأخذت بعد ذلك الأفراد من هذا المحيط الواسع لتلقي بهم في المركز فلا شك أنك كلما اقتربت من المركز فالدوائر تضيق ، ويحدث الحشر . فكأننا سنكون مزدحمين ازدحاماً شديداً ، ولهذا الازدحام متاعب ، ولكن الناس سيكونون في شغل عنه بما هم فيه من أهوال يوم القيامة . وقوله الحق : { وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً } تفيد الجمع المؤكد لحالات الذين لم يستجيبوا لمنهج الله تعالى ، ولا لدعوة الله سبحانه لهم لدار السلام ، وكذبوا رسلهم ، واتخذوا من دون الله تعالى أنداداً ، فيجمع الله سبحانه المُتَّخذَ أنداداً ، والمُتَّخَذَ ندّاً ، ويواجههم لتكون الفضيحة تامة وعامَة ، بين عابد عبد باطلاً ، ومعبودٍ لم يطلب من عابده أن يعبده ، أو معبود طلب من عابده أن يعبده . لذلك يقول الحق سبحانه : { ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَآؤُكُمْ } [ يونس : 28 ] . وهكذا يتلاقى من عَبَدَ الملائكة مع الملائكة ، ويتلاقى من عَبَدَ رسولاً وجعله إلهاً ، ومن عبد صنماً ، أو عبد شمساً ، أو عبد قمراً ، أو جِنّاً أو شيطاناً من شياطين الإنس أو شياطين الجن . إذن : فالمعبودون متعددون ، وكل معبود من هؤلاء له حكم في ذلك الحشر ، وستكون المواجهة علنية مكشوفة . فإذا نظرنا إلى العابد الذي اتخذ إلهاً باطلاً سواء أكان من الملائكة أو رسولاً أرسل إليهم ليأخذهم إلى عبادة إله واحد - هو الله سبحانه وتعالى - ففتنوا في الرسول وعبدوه ، أو عبدوا أشياء لا علم لها بمن يعبدها : كالأصنام ، والشمس ، والقمر ، والأشجار . أما المعبود الذي له علْم ، وله دعوة إلى أن يعبده غيره ، فهو يتركز في شياطين الإنس ، وشياطين الجن ، وإبليس . أما الملائكة فإن الله - سبحانه وتعالى - يواجههم بمن عبدهم ، فيسألهم : أأنتم وعدتم هؤلاء ليتخذوكم آلهة ، فيقولون : سبحانك أنت وليُّنا ، ويتبرأون من هؤلاء الناس ، مصداقاً لقول الحق سبحانه : { إِذْ تَبَرَّأَ ٱلَّذِينَ ٱتُّبِعُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُواْ … } [ البقرة : 166 ] . والملائكة لا علم لهم بمن اتخذهم آلهة ، وإذا انتقلنا إلى البشر وعلى قمَّتهم الرسل عليهم السلام ، فيأتي سيدنا عيسى ابن مريم عليه السلام ، ويَقول الحق سبحانه له : { أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـٰهَيْنِ مِن دُونِ ٱللَّهِ … } [ المائدة : 116 ] . فيقول سيدنا عيسى عليه السلام ما جاء على لسانه في القرآن الكريم : { سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِيۤ أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ … } [ المائدة : 116 ] . فكأن هؤلاء قد عبدوا من لا علم له بهذا التأليه ، ولم يَدْعُ إليه . والأصنام كذلك ليس لها علم بمن ادَّعى ألوهيتها ، ولكن الذي له علم بتلك الدعوة هو إبليس ، ذلك أنه حينما عز عليه أنه عاص لله ، أغوى آدم ، ثم تاب آدم عليه السلام وقَبِل الله سبحانه وتعالى توبته ، أما إبليس فلم يتب عليه الحق سبحانه لأنه رد حكم المولى - عز وجل - بالسجود لآدم ، واستكبر ، وظن نفسه أعلى مكانة . أما آدم عليه السلام فلم يرد الحكم على الله تعالى . يقول الحق سبحانه : { وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُوۤاْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِّنَ ٱلسَّاجِدِينَ * قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ } [ الأعراف : 11 - 12 ] . ومن ذلك نأخذ مبدأ إيمانياً موجزه أن الذين لا يقدرون على أنفسهم في أخضاعها لمنهج الله تعالى ، فمن الخير لهم أن يقولوا : إن منهج الله سبحانه هو الصدق ، وحكمه سبحانه هو الحق ، ولكننا لم نستطع أن نُخضِعَ أنفسنا للحكم وبذلك يخرجون من دائرة رد الأمر على الآمر ، وبإمكانهم أن يتوبوا بنية عدم العودة إلى المعصية . إذن : فالمخاصمة والمحاجّة موجهة من إبليس لذرية آدم ، فقد أقسم إبليس بعزة الله سبحانه أن يُغوِي كل أبناء آدم إلا الذين استخلصهم الله لعبادته سبحانه وتعالى فقد علم إبليس أنه غير قادر على إغوائهم . وهكذا تكون عزة الله سبحانه هي التي تمكِّن إبليس - وذريته من الشياطين - من غواية أو عدم غواية خلق الله سبحانه وتعالى . والشياطين هم الجن العُصَاة لأننا نعلم أن الجن جنس يقابل جنس البشر ، ومن الجن من هو صالح طائع ، ومنهم من هو عاصٍ ، ويُسمّى شيطاناً ، ويخدم إبليس في إغواء البشر ، فيتسلَّط على الإنسان فيما يعلم أنها نقطة ضعف فيه . فمن يحب المال يدخل الشيطان إليه من ناحية المال ، ومن يحب الجمال يدخل له الشيطان من ناحية الجمال ، ومن يجب الجاه يجد الشيطان وهو يزيِّن له الوصول إلى الجاه بأية وسيلة تتنافى مع الأخلاق الكريمة ومنهج الله عز وجل . وكل إنسان له نقطة ضعف في حياته يعرفها الشيطان ويتسلل منها إليه ، وقد يُجنِّد إبليس وذريته أناساً من البشر يعملون بهدف إغواء الإنسان لإفساده . فهناك - إذن - ثلاثة يطلبون أن ينصرف الناس عن منهج الله تعالى ودعوة الحق وهؤلاء الثلاثة هم : إبليس ، والعاصون من الجن أي : الشياطين ، ثم البشر الذين يشاركون إبليس في الإغواء ، وهم شياطين الإنس الذين يعملون أعمالاً تناهض منهج الرسل . وهل يكون الحوار - يوم القيامة - بين الملائكة ومَنْ عَبَدُوهم مِنَ البشر ؟ وهل يكون الحوار بين الأصنام والذين عبدوها دون علمها ؟ وهل يكون الحوار بين عيسى عليه السلام ومن اتخذوه إلهاً دون علمه ؟ ها نحن نجد عارفاً بالله يقول على لسان الأصنام : @ " عَبَدُونا ونحن أعْبَدُ للهِ مِنَ القائمينَ بالأسْحَارِ " @@ لأن الحق سبحانه هو القائل : { وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ … } [ الإسراء : 44 ] . ويكمل العارف بالله : @ " اتَّخَذُوا صَمْتَنَا علينا دليلاً فَغَدَوْنا لَهُم وَقُودَ النارِ " @@ والحق سبحانه هو القائل : { فَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِي وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ … } [ البقرة : 24 ] . ويتابع العارف بالله : @ " قَدْ تَجَنَّوا جهلاً كما تَجَنَّوا على ابنِ مَرْيم والحَوَارِي " @@ فما موقف الله سبحانه من هؤلاء وأولئك ؟ فنقول : @ إن للمُغَالِي جَزَاءهُ ، والمُغَالَى فيه تُنْجِيه رحمةُ الغَفَّارِ " @@ وهكذا وَضُحَ موقف كل من يعبد غير الله سبحانه أو يشرك به ، هؤلاء الذين يشملهم قول الحق سبحانه : { وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً … } [ يونس : 28 ] . وهكذا يُحشَر مَنْ عبدوا الأصنام أو الكواكب أو أشركوا بالله ، وكذلك شياطين الجن والإنس ، الجميع سيحشرون في الموقف يوم الحشر ، وليتذكر الجميع في الدنيا أن في الحشر ستُكشَفُ الأمور ويُفضح فيه كل إنسان أشرك مع الله غيره ، سبحانه ، وستحدث المواجهة مع مَنْ أشركه بالعبادة مع الله سبحانه دون عِلْم من الملائكة أو الرسل أو الكواكب أو الحجارة بأمر هؤلاء ، ويأتيهم جميعاً أمر الحق سبحانه : { ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ مَكَانَكُمْ … } [ يونس : 28 ] . وحين تسمع الأمر : " مكانك " فهو يعني : " الزمْ مكانك " وهي لا تُقال للتحية ، بل تحمل التهديد والوعيد ، وانتظار نتيجة موقف لن يكون في صالح من تُقال له ، ونعرف أن الملائكة ، والرسل ، والكواكب ، والحجارة ليس لها علم بأمر هؤلاء الذين عبدوهم . إذن : فالذين ينطبق عليهم هذا الأمر هم هؤلاء المشركون الذين ظنوا أن بإمكانهم الإفلاتَ من الحساب ، لكنهم يسمعون الأمر { مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَآؤُكُمْ } ، فهل يعني ذلك أنهم سوف يأتون مع الملائكة ومَنْ عُبد من الرسل والكواكب والحجارة في موكب واحد ؟ لا لأن هؤلاء العبيد اتفقوا على موقف باطل ، ويشاء الحق سبحانه أن يفصل بين الحق والباطل . لذلك يقول الحق سبحانه : { فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَآؤُهُمْ مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ } [ يونس : 28 ] . أي : جعل من المشركين فريقاً ، وجعل من الذين عُبدُوا دون علمهم فريقاً آخر ، وأعلن فريقُ مَنْ عُبِدوا دون علمهم : { مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ … } [ يونس : 28 ] . أي : ما كنتم تعبدوننا بعلمنا . وانظروا إلى الموقف المُخْزِي لمن عبدوا غير الله سبحانه ، أو أشركوا به ، إن الواحد منهم قد عبد معبوداً دون أن يدري به المعبود ، مع أن الأصل في العبادة هو التزام العابد بأمر المعبود ، وهذا المسألة تَصْدُق على الملائكة وسيدنا عيسى عليه السلام ، وتصدق أيضاً على الكواكب والأحجار لأن الحق سبحانه الذي يُنطق أبعاض الإنسان يوم القيامة لتشهد على صاحبها ، قادر على أن يُنْطِق الأحجار . والحق سبحانه هو القائل : { وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَآءُ ٱللَّهِ إِلَى ٱلنَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّىٰ إِذَا مَا جَآءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ * وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوۤاْ أَنطَقَنَا ٱللَّهُ ٱلَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ … } [ فصلت : 19 - 21 ] . ونجد الصنم يوم القيامة وهو يلعن مَنْ عبده ، تماماً مثلما يتبرأ الجلد من صاحبه إنْ عصى الله تعالى ، فالحق سبحانه يقول : { يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [ النور : 24 ] . ولكن لا تترك عقلك يتخيل كيفية تكلُّم الصنم ، فأنت آمنت أن جوارح الإنسان من يد ورجل وجلد ستنطق يوم القيامة ، فهل تعقَّلت كيف تنطق اليد ، وكيف ينطق الجلد ، وكيف تنطق الرِّجْل في الآخرة ، أنت تؤمن بخبر الآخرة فلا تنظر إلى معطيات أمور الآخرة بقوانين الدنيا لأن كل شيء يتبدَّل في الآخرة ، ألم تخبرك السنة أنك ستأكل في الجنة ، ولا تُخْرِج فضلات ؟ وهذا أمر غير منطقيّ بقوانين الدنيا ولكننا نؤمن به ، وإذا كان الحق سبحانه وتعالى يخبرنا بأشياء سوف تحدث في الجنة ، لو قسْناها بعقولنا على ما نعرف في الدنيا لوقفت أمامها عاجزة ، لكن القلب المؤمن يعقل أمور القيامة والآخرة على أساس أنها غيب ، والمقاييس تختلف فيها لأن الإنسان مظروف بين السماء والأرض . وللدنيا أرض وسماء ، وللآخرة أيضاً أرض وسماء ؟ والحق سبحانه يقول : { يَوْمَ تُبَدَّلُ ٱلأَرْضُ غَيْرَ ٱلأَرْضِ وَٱلسَّمَاوَاتُ } [ إبراهيم : 48 ] . إذن : فكل شيء يتبدّل يوم القيامة ، فإذا حُدِّثْتَ أن الأصنام تنطق مستنكرة أن تُعبَد من دون الله تعالى ، وأن الملائكة تلعن من عبدوها من دون الله سبحانه ، فلا تتعجب . ثم يقول الحق سبحانه بعد ذلك : { فَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً … } .