Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 10, Ayat: 27-27)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وما دام الحق سبحانه قد جاء بمن دعاهم إلى دار السلام وأعطاهم الجنة جزاء للعمل الحسن ، فذكر مقابل الشيء يجعله ألصق بالذّهن ، والحق سبحانه هو القائل : { فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيراً … } [ التوبة : 82 ] . وأيضاً من أمثلة المقابلة في القرآن قوله الحق : { إِنَّ ٱلأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ ٱلْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ } [ الانفطار : 13 - 14 ] . إذن : فمجيء المقابل للشيء إنما يرسِّخه في الذهن ولأن الحق سبحانه قد تكلم عن الدعوة إلى دار السلام ، ومن دخل هذه الدعوة فله الجنة خالداً فيها ، لا يرهق وجهه قتر ولا ذلة ، كان لا بد أن يأتي بالمقابل ، وأن يبشِّع رفض الدعوة لدار السلام ، ويحسِّن الأمر عند من يقبلون الدعوة . ولا بد - إذن - أن يفرح المؤمن لأنه لن يكون من أهل النار ، ولا بد أيضاً أن يخرج بعض من الذين ضلّوا عن الغفلة ليهربوا من مصير النار ، ويتحولوا إلى الإيمان . وهنا يقول الحق سبحانه : { وَٱلَّذِينَ كَسَبُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ … } [ يونس : 27 ] . ونحن نعلم أن الكسب إنما يكون في الأمر الفطري ويناسب الطاعات لأن الطاعة أمر مناسب وملائم للفطرة ، فلا أحد يستحي أن يصلِّي ، أو يتصدق ، أو يصوم ، أو يحج ، لكن من الناس من يستحي أن يُعرف عنه أنه كاذب ، أو مُرَابٍ ، أو شارب خمر . والإنسان حين يرتكب السيئة يمر بتفاعلات متضاربة فالذي يسرق من دولاب والده وهو نائم ، تجده يتسلل على أطراف أصابعه ويكون حذراً من أن يرتطم بشيء يفضح أمره ، كذلك الذي ينظر إلى محارم غيره . كل هذا يدل على أن ارتكاب الشيء المخالف فيه افتعال ، أي : يحتاج إلى اكتساب ، ولكن الكارثة أن يستمر الإنسان في ارتكاب المعاصي حتى تصير دُرْبة ، ويسهل اعتياده عليها فيمارس المعصية باحتراف فتتحول من اكتساب إلى كسب . أو أن يصل الفاسق من هؤلاء إلى مرتبة من الاستقرار على الانحلال فيروي ما يفعله من معاصٍ وآثام بفخر ، كأن يقول : " لقد سهرنا بالأمس سهرة تخلب العقل ، وفعلنا كذا وكذا " ، ويروى ذلك ، وكأنه قد كسب تلك السهرة بما فيها من معاص وآثام . ومن رحمة الله سبحانه بالخلق أنه يجازي مرتكب السيئة بسيئة مثلها ، فيقول سبحانه : { جَزَآءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا } ، وتتجلى أيضاً رحمة الحق سبحانه وتعالى حين يعطي من لا يرتكب السيئة مرتبة فيصير ضمن من قال عنهم الحق سبحانه : { وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ } لكن الذين لم يهتدوا منهم من يقول الحق سبحانه عنهم : { مَّا لَهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ } أي : لن يجيرهم أحد عند الله تعالى ، ولن يقول أحد لله سبحانه : لا تعذِّبْهم . أو أن لا عاصم لهم بمعنى : أن الله تعالى لن يأمر بعد ذلك بألاّ يُعذَّبوا . ولا يقتصر أمرهم على ذلك فقط ، بل يقول الحق سبحانه : { كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِّنَ ٱلَّيْلِ مُظْلِماً } أي : كأن قطعاً من الليل المظلم قد غطت وجوههم ، ويكون مأواهم النار { أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } . هذا هو حال الذين كذَّبوا بآيات الله تعالى وكذبوا الرسل ، وتأبَّوا عن دعة الله سبحانه وتعالى إلى دار السلام واتبعوا أهواءهم واتخذوا شركاء من دون الله تعالى . وشاء الحق سبحانه أن يُجلِّي لنا ذلك كله في الدنيا حتى يكون الكون كله على بصيرة بما يحدث له في الآخرة لأنه نتيجة حتمية لما حدث من هؤلاء في الدنيا . يقول الحق سبحانه بعد ذلك : { وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ مَكَانَكُمْ … } .