Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 44-44)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

كلمة " الله " هي اسم عَلَمٍ على واجب الوجود المتصف بكل صفات الكمال التي عرفناها في أسماء الله الحسنى التسعة والتسعين ، وإن كان لله تعالى كمالات لا تتناهى لأن الأسماء أو الصفات التي يحملها التسعة والتسعون اسماً لا تكفي كل كمالات الله سبحانه ، فكمالاته سبحانه لا تتناهى . ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : " أسألك بكل اسم سمَّيت به نفسك ، أو علَّمته أحداً من خَلْقك ، أو استأثرت به في علّم الغيب عندك " . وإن سأل سائل : ولماذا يستأثر الله سبحانه ببعض من أسمائه في علم الغيب ؟ أقول : حتى يجعل لنا الله سبحانه في الآخرة مزيداً من الكمالات التي لم نكن نعرفها ولذلك نجد الحق سبحانه يفتح على رسوله صلى الله عليه وسلم " من محامده وحُسن الثناء عليه شيئاً لم يفتحه على أحد قبله " . وهذا بعض من فيض لا ينفد من آفاق اسم عَلَمٍ على واجب الوجود ، وصفات علم واجب الوجود ، والتسعة والتسعون اسماً التي نعلمها هي اللازمة لحياتنا الدنيا ، ولكننا سنجد في الآخرة صفات كمال أخرى ، وكلمة " الله " هي الجامعة لكل هذه الأسماء ، ما عرفناها وما لم نعرفها . والإنسان منا حين يُقبل على عمل ، فهذا العمل يتطلب تكاتُفَ صفات متعددة ، يحتاج إلى قدرة ، وعلم ، وحكمة ، ولُطْف ، ورحمة ، وغير ذلك من الصفات ، فإن قلت : باسم القويّ فأنت تحتاج إلى القوة ، وإن قلت باسم القادر فأنت تحتاج إلى القدرة ، وإن قلت : باسم الحليم فأنت تحتاج إلى الحِلْم ، وإن قلت : باسم الحكيم فأنت تحتاج إلى الحكمة ، وإن قلت : " باسم الله " فهي تكفيك في كل هذا وغيره أيضاً ولذلك يكون بدء الأعمال بـ " بسم الله " ، فإذا احتجت إلى قدرة وجدتها ، وإن احتجت إلى غِنَىً وجدته ، وإن احتجت إلى بَسْطٍ وجدته . وكل صفات الكمال أوجزها الحق سبحانه لنا في أن نقول : " بسم الله " . وحين تبدأ عملك باسم الله فأنت تُقِرُّ بأن كل حَوْلٍ لك موهوب من الله ، والأشياء التي تنفعل لك ، إنما تنفعل باسم الله ، وكل شيء إنما يسخر لك باسم الله ، وهو القائل : { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَآ أَنْعاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ * وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ } [ يس : 71 - 72 ] . ولو لم يذلِّل الله لنا الأنعام والأشياء لتنفعل لنا ما استطعنا أن نملكها ، بدليل أن الله تعالى قد ترك أشياء لم يذللها لنا حتى نتعلَّم أننا لا نستطيع ذلك ، لا بعلْمنا ، ولا بقُدْرتنا ، إنما الحق سبحانه هو الذي يُذلِّل . فأنت ترى الطفل في الريف وهو يسحب الجمل ، ويأمره بالرقود فيرقد ، ويأمره بالقيام فيقوم . أما إن رأينا ثعباناً فالكثير منا يجري ليهرب ، ولا يواجهه إلا من له دُرْبة على قتله . والبرغوث الصغير الضئيل قد يأتي ليلدغك ليلاً ، فلا تعرف كيف تصطاده لأن الله لم يذلِّله لك . وكذلك الثمرة على الشجرة إذا قطفتها قبل نضجها تكون غير مستساغة ، أما إن قطفتها بعد نضجها فأنت تستمتع بطعمها ، ثم تأخذ منها البذرة لتعيد زراعتها ، وتضمن بقاء النوع ، بل إن الثمرة تسقط من على الشجرة حين تنضج وكأنها تنادي من يأكلها . وكذلك الإنسان حين يبلغ ، أي : يصبح قادراً على أن ينجب غيره ، فيكلّفه الله بعد ذلك بالتكاليف الإيمانية لأنه لو كلَّفه قبل ذلك ثم طرأتْ عليه مشاكل المراهقة فقد لا يستطيع أن يتحمل التكليف . ولذلك شاء الحق سبحانه أن يخلق من عدم ، وأن يربِّى حتى يكتمل الإنسان ، ثم حدَّد التكليف من لحظة البلوغ ، ووضع شرط اكتمال العقل والرشد ، وألا توجد آفة أو جنون . ولا أقوى من الله سبحانه يمكن أن يُكلِّف لتفعل غير ما يريد الله لذلك شاء الحق سبحانه أن يكتمل للإنسان الرشد ساعة التكليف ، أم المجنون فلم يكلفه الله سبحانه ، وكذلك يسقط التكليف عن المُكْرَه لأن التكليف في مضمونه هو اختيار بين البدائل ، وهذه منتهى العدالة في التشريع . وأنت حين تستقبل التكليف عليك ألا تنظر إلى ما تأخذه منك العبادات ، لأنها لا تأخذ من حريتك ، بل تحترم أنت حرية الآخرين ، ويحترمون هم حريتك ، فإن حرَّم عليك أن تسرق ، فهو سبحانه قد حماك بأن حرَّم على جميع الخلق أن يسرقوا منك . إذن : فالقيد قد جاء لصالحك . وهَبْ أنك أطلقت يدك في الناس ، فماذا تصنع لو أطلقوا هم أياديهم فيما تملك ؟ وحين حرَّم عليك التكليف أن تنظر إلى محارم غيرك ، فهو قد حرم على الغير أن ينظروا إلى محارمك . وحين أمرك أن تزكِّي ، فهو قد أخذ منك ليعطي الفقير من المال الذي استخلفك الله فيه . فلا تنظر إلى ما أخِذ منك ، بل انظر إلى ما قد يعود عليك إن أصابك القدر بالفقر ، والشيء الذي تستشعر أنه يؤخذ منك فالله سبحانه يعطيك الثواب أضعافاً كثيرة . وبعد ذلك انظر إلى حركة الحياة ، وانظرْ إلى ما حَرَّم الله تعالى عليك من أشياء ، وما حلَّل لك غير ذلك فستجد المباح لك أكثر مما منعك عنه . إذن : فالتكليف لصالحك . ثم بعد كل ذلك : أيعود شيء مما تصنع من تكاليف على الحق سبحانه ؟ لا . أيعطيه صفة غير موجودة ؟ لا لأن الحق سبحانه قد خلقنا بكل صفات كماله ، وليس في عملنا ما يزيده شيئاً . إذن : فمن المصلحة أن تطبّق التكاليف لأنها تعود عليك أنت بالخير . وانظر - مثلاً - إلى الفلاح في الحقل ، إنه يحرث الأرض ، وينقل السماد ، ويبذر ، ويروى ويتعب ، وبعد ذلك يستريح في انتظار الثمار . وأنت حين تنفِّذ تكاليف الحق سبحانه فأنت تجد العائد ، وأنت ترى في حياتك أن الفلاح الكسول يصاب بحسرة يوم الحصاد ، فما بالنا بحساب الآخرة . والفلاح الذي يأخذ من مخزنة إردبّاً ليزرعه ، وهو في هذه الحالة لا ينقص مخزنه لأنه سيعود بعد فترة بخمسة عشر إردبّاً . وهكذا من ينفِّذ التكاليف يعود عليه كل خير ولذلك أقول : انظر في استقبالات منهج الله تعالى فيما تعطيه ، لا فيما تأخذه . وهكذا ترى أنه لا ظلم لأننا صنعة الله ، فهل رأيتم صانعاً يفسد صنعته ؟ إذن : فالصانع الأعلى لا يظلم صنعته ولا يفسدها أبداً ، بل يُحسِّنها ويعطيها الجمال والرونق لذلك يقول الحق سبحانه : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَظْلِمُ ٱلنَّاسَ شَيْئاً وَلَـٰكِنَّ ٱلنَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } [ يونس : 44 ] . أي : أن الناس هم الذين يظلمون أنفسهم ، ومن الظلم جَحْد الحق ، وهذا هو الظلم الأعلى ، ومن الظلم أن يعطي الإنسان نفسه شهوة عاجلة ليذوق من بعد ذلك عذاباً آجلاً ، وهو بذلك يحرم نفسه من النعيم المقيم ، وهو حين يظلم نفسه يكون قد افتقد القدرة على قياس عمره في الدنيا ، فالعمر مهما طال قصير ، وما دام الشيء له نهاية فهو قصير . والحق سبحانه وتعالى حين يخاطب الناس ، فهو قد نصب لهم آيات باقية إلى أن تقوم الساعة ، وكلهم شركاء فيها ، وهي الآيات الكونية ، وبعد ذلك خَصَّ كل رسول بآية ومعجزة ، وأنزل منهجاً بـ " افعل " و " لا تفعل " ، وبيَّن في آيات الكتاب ما المطلوب فعله ، وما المطلوب أن نمتنع عنه ، وترك لك بقية الأمور مباحة . والمثال الذي أضربه دائماً : هو التلميذ الذي يرسب آخر العام ، هذا التلميذ لم تظلمه المدرسة ، بدليل أن غيره قد نجح لذلك لا يصح أن يقال : إن المدرسة أسقطت فلاناً ، ولكن الصحيح أن نقول : إن فلاناً قد أسقط نفسه ، وأن زميله قد أنجح نفسه ، ودور المدرسة في ذلك هو إعلان النتيجة . ومن الظلم أيضاً أن يستكثر الظالم نعمة عند المظلوم ، فيريد أن يأخذها منه ، ولا يمكن أن يكون الحق سبحانه وتعالى ظالماً يستكثر نِعَم عباده لأنه مُنزَّه عن ذلك فضلاً عن أن خَلْقه ليس عندهم نِعَم يريدها هو ، فهو الذي أعطاها لهم ولذلك لا يأتي منه سبحانه أي ظلم ، وإنْ جاء الظلم فهو من الإنسان لنفسه . ويقول الحق سبحانه بعد ذلك : { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ سَاعَةً … } .