Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 47-47)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

والحق سبحانه لا يظلم أحداً ، ولا يعذب قوماً إلا بعد أن يكفروا بالرسول الذي أرسله إليهم ، وهو سبحانه القائل : { وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ } [ فاطر : 24 ] . وهو سبحانه القائل أيضاً : { لَّمْ يَكُنْ رَّبُّكَ مُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ } [ الأنعام : 131 ] . فلا تجريم ولا عقوبة إلا بنص وببيان لتجريم هذا الفعل أو ذاك ، بإرسال الرسل حتى لا يحتج أحد بأنه لم يصل إليه شيء يحاسب بمقتضاه . والحق سبحانه هنا يبيِّن أن لكل أمة رسولاً يتعهدها بأمور المنهج . وقد خلق الحق سبحانه كل الخلق ، وكانوا موحِّدين منذ ذرية آدم - عليه السلام - ثم اقتضت الأحداث أن يتباعدوا ، وانتشروا في الأرض ، وصارت الالتقاءات بعيدة ، وكذلك المواصلات ، وتعددت الآفات بتعدد البيئات . ولكن إذا تقاربت الالتقاءات ، وصارت المواصلات سهلة ، فما يحدث في الشرق تراه في لحظتها وأنت في الغرب ، فهذا يعني توحُّد الآفات أو تكاد تكون واحدة لذلك كان لا بد من الرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم ، أما في الأزمنة القديمة ، فقد كانت أزمنة انعزالية ، تحيا كل جماعة بعيدة عن الأخرى ولذلك كان لا بد من رسول لكل جماعة ليعالج داءات البيئة ، أمَا وقد التقت البيئات ، فالرسول الخاتم يعالج كل الداءات . ولذلك يقول الحق سبحانه : { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ فَإِذَا جَآءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِٱلْقِسْطِ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } [ يونس : 47 ] . وقد حكى التاريخ لنا ذلك ، فكل رسول جاء آمن به البعض ، وكفر به البعض الآخر ، والذين آمنوا به انتصروا ، ومَنْ كفروا به هُزِمُوا . أو أن الآية عامة { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ } أي : تُنادي كل أمة يوم القيامة باسم رسولها ، يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، ويا أمة موسى ، ويا أمة عيسى … إلخ . والحق سبحانه يقول : { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَـٰؤُلاۤءِ شَهِيداً * يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ ٱلرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّىٰ بِهِمُ ٱلأَرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ ٱللَّهَ حَدِيثاً } [ النساء : 41 - 42 ] . إذن : فالحق سبحانه هنا يبيِّن أن لكل أمة رسولاً جاءها بالبلاغ عن الله ، وقد آمن به مَنْ آمن ، وكفر به مَنْ كفر ، وما دام الإيمان قد حدث - وكذلك الكفر - فلا بد من القضاء بين المؤمنين والكافرين . لذلك يقول الحق سبحانه : { فَإِذَا جَآءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِٱلْقِسْطِ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } [ يونس : 47 ] . وما دام في الأمر قضاء ، فلا بد أن المؤمن يَعتبر الكافر منازعاً له ، وأن الكافر يَعتبر المؤمن منازعاً له ، ويصير الأمر قضية تتطلب الحكم لذلك يقول الحق سبحانه : { قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِٱلْقِسْطِ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } [ يونس : 47 ] . أي : يُقضى بينهم بالعدل ، فالمؤمنون يتقصَّى الحق سبحانه حسناتهم ويزيدها لهم ، أما الكافرون فلا توجد لهم حسنات لأنهم كفروا بالله الحق فيوردهم النار ، وهم قد أبلغهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سيأتي يوم يُسألون فيه عن كل شيء ، فاستبعدوا ذلك وقالوا : { أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ * أَوَ آبَآؤُنَا ٱلأَوَّلُونَ } [ الصافات : 16 - 17 ] . لقد تعجبوا من البعث وأنكروه ، لكنهم يجدونه حتماً وصدقاً . ويشاء الحق سبحانه أن يُدخل عليهم هذه المسألة دخولاً إيمانياً ، فيقول : { أَفَعَيِينَا بِٱلْخَلْقِ ٱلأَوَّلِ … } [ ق : 15 ] . فأنتم إذا متُّم وتحلَّلتم في التراب ، أيعجز الله سبحانه أن يخلقكم من جديد ؟ لا إنه سبحانه القائل : { قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ ٱلأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ } [ ق : 4 ] . أي : أنه سبحانه يأمر العناصر الخاصة بكل إنسان أن تتجمَّع كلها ، وليس هذا بعسير على الله الذي خلقهم أولاً . وهم قد كَذَّبوا واستنكروا واستهزأوا بمجيء يوم القيامة والبعث ، وبلغ استهزاؤهم أن استعجلوا هذا اليوم ، وهذا دليل جهلهم ، وكان على الواحد منهم أن يفر من هول ذلك اليوم . ولذلك يقول الحق سبحانه بعد ذلك على ألسنتهم : { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ … } .