Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 63-63)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

والإيمان هو الأمر الاعتقادي الأول الذي يُبنى عليه كل عمل ، ويقتضي تنفيذ منهج الله ، الأمر في الأمر ، والنهي في النهي ، والإباحة في الإباحة . والتقوى - كما علمنا - هي اتقاء صفات الجلال في الله تعالى ، وأيضاً اتقاء النار ، وزاد رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفات من تصدر عنه التقوى لأنها مراحل ، " فقال صلى الله عليه وسلم يصف المتقين : " هم قوم تحابُّوا بروح الله على غير أرحام بينهم ، ولا أموال يتعاطونها ، فوالله إن وجوههم لنور ، وإنهم لَعلَى نور " . وقد سئُل عمر - رضي الله عنه - عن المتقين فقال : " الواحد منهم يزيدك النظر إليه قُرباً من الله " . وكأنه رضي الله عنه يشرح لنا قول الحق سبحانه : { سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِّنْ أَثَرِ ٱلسُّجُودِ … } [ الفتح : 29 ] . وساعة ترى المتقي لله تُسَرُّ وتفرح به ، ولا تعرف مصدر هذا السرور إلا حين يقال لك : إنه ملتزم بتقوى الله ، وهذا السرور يلفتك إلى أن تقلده لأن رؤياه تذكِّرك بالخشوع ، والخضوع ، والسكينة ، ورقَّة السَّمْت ، وانبساط الأسارير . والواحد من هؤلاء ينظر إلى الكون ولا يجد في هذا الكون أي خَلَل ، بل يرى كل شيء في موضعه تماماً ، ولا يرى أي قُبح في الوجود ، وحتى حين يصادف القبح ، فهو يقول : إن هذا القبح يبيِّن لنا الحُسْن ، ولولا وجود الباطل ومتاعبه لما عشق الناسُ الحقّ ، وهكذا يصير الباطل من جنود الحق . إن وجود الشرّ يدفع الناس إلى الخير ولذلك يقال : كُنْ جميلاً في دينك تَرَ الوجود جميلاً لأنك حين ترى الأشياء وتقبل قدر الله فيها ، هنا يفيض الله عليك بهبات من الفيض الأعلى ، وكلما تقرَّبت إلى الله زاد اقتراب الله سبحانه منك ، ويفيض عليك من الحكمة وأسرار الخلق . ومثال ذلك : العبد الصالح الذي آتاه الله من عنده رحمة وعلَّمه من لدنه علماً ، هذا العبد يعلّم موسى عليه السلام ، فحين قارن بين خَرْق العبد الصالح لسفينة سليمة ، ولم يكن يعلم أن هناك حاكماً ظالماً يأخذ كل سفينة غَصْباً ولذلك ناقش موسى العبد الصالح ، وتساءل : كيف تخرق سفينة سليمة ؟ وهنا بيَّن له العبد الصالح أن الملك الظالم حين يجد السفينة مخروقة فلن يأخذها ، وهي سفينة يملكها مساكين . وحين قَتل العبدُ الصالح غلاماً ، كان هذا الفعل في نظر سيدنا موسى جريمة ، ولم يعلم سيدنا موسى ما علمه العبد الصالح أن هذا الولد سوف يسيء إلى أهله ، وأمر الله العبد الصالح بقتله قبل البلوغ حتى لا يفتن أهله ، وسوف يدخل هذا الولد الجنة ويصير من دعاميص الجنة . ويقال : إن من يموت من قبل البلوغ ليس له مسكن محدّد في الجنة ، بل يذهب حيث يشاء فهو كالطفل الصغير الذي يدخل قصراً ، ولا يطيق البقاء في مكان واحد ، بل يذهب هنا وهناك ، وقد يذهب إلى حيث سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أو أبو بكر الصديق ، أو عند أي صحابي جليل . وأيضاً حين دخل سيدنا موسى - عليه السلام - مع العبد الصالح إلى قرية واستطعما أهلها فرفضوا أن يطعموهما - وطلب الطعام . هو أصدق ألوان السؤال - فأبى أهل القرية أن يطعموهما ، وهذا دليل الخسَّة واللؤم فأقام العبد الصالح الجدار الآيل للسقوط في تلك القرية . ولم يكن سيدنا موسى - عليه السلام - قد علم ما علمه العبدُ الصالح من أن رجلاً صالحاً قد مات وترك لأولاده كنزاً تحت هذا الجدار ، وبناه بناية موقوتة بزمن بلوغ الأبناء لسن الرشد فيقع الجدار ليجد الأبناء ما ترك لهم والدهم من كنز ، ولا يجرؤ أهل القرية اللئام على السطو عليه . إذن : هذه هباتٌ من فيض الحق سبحانه على عباده الصالحين ، وهو سبحانه وتعالى يجعل مَثَل هؤلاء العباد كالصواري المنصوبة التي تهدي الناس ، أو كالفنار الذي يهدي السفن في الظلمة . ويقول الحق سبحانه : { لَهُمُ ٱلْبُشْرَىٰ فِي ٱلْحَياةِ ٱلدُّنْيَا … } .