Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 64-64)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

والبُشرى : من البِِشْر والبشارة والتبشير ، وكلها مأخوذة من البشرة ، وهي الجلد لأن أي انفعال في باطن النفس الإنسانية إنما ينضح على البشرة ، فإذا جئت للإنسان بأمر سارٍّ تجد أثر هذا السرور على أساريره ، وإن جئت للإنسان بخبر سيِّىء تجد الكدر وقد ظهر على بشرته ، فالبشرة هي أول منفعل بالأحداث السارة أو المؤلمة . وحين يقال : " بشرى " فهذا يعني كلاماً إذا سمعه السامع يظهر على بشرته إشراق وسرور لأنه كلام مبشِّر بخير . وحين " سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البشرى ، قال : " إنها الرؤية الصالحة تُرى للمؤمن أو يراها " " ، وقال صلى الله عليه وسلم : " إنها جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة " . وقد أوحي للنبي صلى الله عليه وسلم بالرؤيا ستة أشهر ، وأوحي إليه في اليقظة ثلاثة وعشرين عاماً ، فإذا نسبت الستة أشهر إلى الثلاثة والعشرين عاماً ، تجد أن الستة أشهر تمثل جزءاً من ستة وأربعين جزءاً . والرؤيا ليست هي الحُلْم لأن الرؤيا هي شيء لم يشغل عقلك نهاراً ، وليس للشيطان فيه دخل . والمثل العامي يقول : " الجوعان يحلم بسوق العيش " فإن كان ما يراه الإنسان في أثناء النوم له علاقة بأمر يشغله ، فهذا هو الحلم ، وليس للرؤيا ، وإن كان ما يراه الإنسان في أثناء النوم شيئاً يخالف منهج الله ، فهذه قذفة من الشيطان . إذن : فهناك فارق بين الرؤيا والحلم ، وأضغاث الأحلام . البشرى - إذن - هي الرؤيا الصالحة ، أو هي المقدمات التي تُشْعر خَلْق الله بهم فتتجه قلوب الناس إلى هؤلاء الأولياء ، وقد تجد واحداً أَحبه الله تعالى في السماء ، " فيقول الله سبحانه وتعالى لجبريل عليه السلام : " إني أحب فلاناً فأحِبَّهُ . قال : فيحبه جبريل ، ثم ينادي جبريل في السماء فيقول : إن الله يَحب فلاناً فأحِبُّوه ، فيحبه أهل السماء . قال : ثم يُوضع له القبول في الأرض " . وساعة تراه مكتوباً له القبول ، فالكل يُجمعون على أن في رؤيتهم لهذا المحبوب من السماء سَمْتاً طيباً ، وهذه هي البشرى . أو أن البشرى تأتي لحظة أن يأتي مَلَكُ الموت ، فيُلْقي عليه السلام ، ويشعر أن الموت مسألة طبيعية ، مصداقاً لقول الحق سبحانه : { ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ٱدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } [ النحل : 32 ] . أو ساعة يبيضُّ الوجه حين يأخذ الإنسان من هؤلاء كتابه بيمينه ، وهذه بشرى في الدنيا وفي الآخرة . والحق سبحانه يقول : { إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ وَأَبْشِرُواْ بِٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَآؤُكُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا … } [ فصلت : 30 - 31 ] . إذن : فهؤلاء الأولياء يتلقون من فيوضات الله عليهم بواسطة الملائكة ويتميزون عن غيرهم لأن الواحد منهم قد يفرض على نفسه نوافل فوق الفروض لأن الفروض هي أقل القليل من التكاليف . وقد يرى واحد منهم أن القيام بالفروض لا يتناسب مع حبه لله تعالى فيزيد من جنسها على ما فرض الله ، ويصلِّي - بدلاً من خمسة فروض - عشرة أخرى نوافل ، أو يصوم مع رمضان شهراً أو اثنين ، أو يصوم يومي الاثنين والخميس من كل أسبوع . وهذا دليل على أنه وجد أن الفروض قليلة بالنسبة لدرجة حبه لله تعالى ، وأن الله تعالى يستحق أكثر من ذلك ، وهذا معناه أن مثل هذا العبد قد دخل في مقام الود مع الله تعالى ، وهنا يفيض الله سبحانه وتعالى عليه بما يشاء ، وينال من رضوان الله ما جاء في الحديث القدسي : " من عادى لي وليّاً فقد آذنته بالحرب ، وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضته عليه ، وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورِجْلَهُ التي يمشي عليها ، وإن سألني لأعطينَّه ، ولئن استعاذني لأعيذنَّه ، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن ، يكره الموت وأنا أكره مساءته " . وهكذا تختلف المقاييس بين عبد يحب الله تعالى ويؤدي فوق ما عليه ، وعبد آخر يقوم بالتكاليف وحدها . ويُنهي الحق سبحانه الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها بقوله : { لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ ٱللَّهِ ذٰلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } [ يونس : 64 ] . وما دام الحق سبحانه قد قال : { لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ ٱللَّهِ … } فلن تجد أحداً قادراً على ذلك ، كما أن الخلق مقهورون كلهم يوم القيامة ومَنْ كان يبيح له الله تعالى أن يملك شيئاً في الدنيا لم يعد مالكاً لشيء ، بدليل أن الكل سيسمع قول الحق سبحانه : { لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ ٱلْقَهَّارِ } [ غافر : 16 ] . وما دام الحق سبحانه قد وعد ببشرى الدنيا وبشرى الآخرة ، فلا تبديل لما حكم به الله ، فلا شيء يتأبَّى على حكم الله تعالى ، والوعد بالبُشريات في الدنيا وفي الآخرة فوز عظيم مؤكد . ويقول الحق سبحانه بعد ذلك : { وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ ٱلْعِزَّةَ للَّهِ جَمِيعاً … } .