Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 10, Ayat: 70-70)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ويعزُّ - إذن - على قادة الكفر وأئمة الضلال أن يسلبهم الرياسة والسيادة داعٍ جديد إلى الله سبحانه وتعالى ، ويخافون أن يأخذ الداعي الجديد لله الأمر منهم جميعاً ، لا إلى ذاته ، ولكن إلى مراد ربه . ولو كان الداعي إلى الله تعالى يأخذ السلطة الزمنية لذاته لقلنا : ذاتٌ أمام ذاتٍ ، ولكنه صلى الله عليه وسلم أوضح أنه يعود - حتى فيما يخصه - إلى الله سبحانه وتعالى . ويكشف لنا الحق سبحانه الكسب القليل الذي يدافعون عنه أنه : { مَتَاعٌ فِي ٱلدُّنْيَا … } [ يونس : 70 ] لأن كُلاً منهم يحب أن يقنع نفسه ، بِحُمْق تقدير المنفعة ، وكلمة " الدنيا " لا بد أن منها حقيقة الشيء المنسوبة إليه . والاسماء - كما نعلم - هي سمات مسميات ، فحين تقول : إن فلاناً طويل ، فأنت تعطيه سمة الطول . وحين تقول : " دنيا " فهي من " الدُّنُوِّ " أو " الدناءة " . وإن اعتبرت الدنو هو طريق موصل إلى القمة ، فهذا أمر مقبول لأن الدرجة الأولى في الوصول إلى الأعلى هي الدنو ، وتلتزم بمنهج الله تعالى فتصعد عُلوّاً وارتفاعاً إلى الآخرة . إذن : فمن يصف الدنيا بالدناءة على إطلاقها نقول له : لا ، بل هي دنيا بشرط أن تأخذها طريقاً إلى الأعلى ، ولكن من لا يتخذها كذلك فهو من يجعل مكانته هي الدنيئة ، أما من يتخذها طريقاً إلى العلو فهو الذي أفلح باتِّباع منهج الله تعالى . إذن : فالدنيا ليست من الدناءة لأن الدين ليس موضوعه الآخرة ، بل موضوعه هو الدنيا ، ومنهج الدين يلزمك بـ " افعل " و " لا تفعل " في الدنيا ، والآخرة هي دار الجزاء ، والجزاء على الشيء ليس عين موضوعه ، وأنت تستطيع أن تجعل الدنيا مفيدة لك إنْ جعلتها مزرعة للآخرة . وإياك أن تعمل على أساس أن الدنيا عمرها ملايين السنين لأنه لا يعنيك كعائش في الدنيا إن طال عمرها أم قَصُرَ ، بل يعنيك في الدنيا مقدار مُكْثِك فيها ، وعمرك فيها مظنون ، بل وزمن الدنيا كله مظنون ، وهناك من يموت وعمره ستة أشهر ، وهناك من يموت وعمره مائة سنة ، وكلٌّ يتمتع بقدر ما يعيش ، ثم يرجع إلى الله سبحانه وتعالى . وهؤلاء الذين ضَلُّوا وقالوا على الله سبحانه افتراء ، هؤلاء لن يفلتوا من الله لأن مرجعهم إليه سبحانه ككل خَلْقه ، وهؤلاء المُضِلُّون لم يلتفتوا إلى عاقبة الأمر ، ولا إلى من بيده عاقبة الأمر ، ولم يرتدعوا . ولكن من نظر إلى عاقبة الأمر وأحسن في الدنيا فمرجعه إلى حسن الثواب والجنة ، ومن لم ينظر إلى عاقبة الأمر وافترى على الله - سبحانه وتعالى - الكذب فالمآب والمآل إلى العذاب مصداقاً لقوله تعالى : { ثُمَّ نُذِيقُهُمُ ٱلْعَذَابَ ٱلشَّدِيدَ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ } [ يونس : 70 ] . ودرجة العذاب تختلف باختلاف المعذِّب ، فإن كان المعذِّب ضعيفاً ، فتعذيبه يكون ضعيفاً ، وإن كان المعذِّب متوسط القوة فتعذيبه يكون متوسطاً ، أما إن كان المعذِّب هو قوة القوى فلا بد أن يكون عذابه شديداً ، وهو سبحانه الحق القائل : { إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ } [ هود : 102 ] . وبعد أن تكلم الحق سبحانه عن مبدأ تنزيه الألوهية عن اتخاذ الولد ، فهو سبحانه الغنيُّ الذي له ما في السماوات والأرض ، وبيَّن لنا سبحانه أننا يجب أن نأخذ المنهج من مصدر واحد وهو الرسل المبلِّغون عن الله تعالى ، شاء الحق سبحانه أن يكلمنا عن موكب الرسالات لأن الكلام حين يكون كلاماً نظرياً ليس له واقع يسنده ، فقد تنسحب النظرية عليه . أما إن كان للكلام واقع في الكون يؤيد الكلام النظري ، فهذا دليل على صحة الكلام النظري ولذلك فنحن حين نحب أن نضخِّم مسألة من المسائل في داء اجتماعي ، نحاول أن نصنع منه رواية ، أي : أمراً لم يحدث حقيقة ، ولكننا نتخيل أنه حقيقة لنبيِّن الأمر النظري في واقع متخيَّل . ويقص علينا الحق سبحانه في القرآن قصصاً من الموكب الرسالي ليبيِّن للكفار : أنكم لن تستطيعوا الوقوف أمام هذه الدعوة ، وأمامكم سِجل التاريخ وأحداث الرسل مع أممهم المؤيدين بالمؤمنين والكفار المعاندين والمعارضين ، فإن كان قوم من السابقين قد انتصروا على رسولهم ، فللكفار الحق في أن يكون لهم أمل في الانتصار على رسول الله صلى الله عليه وسلم . ولا بد أن يكون هذا الكلام موجهاً إلى أناس لهم علم ببعض أحداث الموكب الرسالي . ولكن قد يكون علم هذا قد بهت لأن الزمان قد طال عليه . وهنا يقول الحق سبحانه : { وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يٰقَوْمِ … } .