Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 10, Ayat: 75-75)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وكل من موسى وهارون - عليهما السلام - رسول ، وقد أخذ البعث لهما مراحل ، والأصل فيها أن الله تعالى قال لموسى - عليه السلام : { وَأَنَا ٱخْتَرْتُكَ فَٱسْتَمِعْ لِمَا يُوحَىۤ } [ طه : 13 ] . وقال الحق سبحانه وتعالى لموسى - عليه السلام : { ٱذْهَبَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ } [ طه : 43 ] . ثم سأل موسى - عليه السلام - ربه سبحانه وتعالى أن يشدَّ عَضُدَه بأخيه ، فقال الحق سبحانه وتعالى : { قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يٰمُوسَىٰ } [ طه : 36 ] . لأن موسى - عليه السلام - أراد أن يفقه قوله ، وقد رجى موسى ربه سبحانه وتعالى بقوله : { وَٱحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي * يَفْقَهُواْ قَوْلِي } [ طه : 27 - 28 ] . وبعد ذلك جاء تكليف هارون بالرسالة مع موسى عليه السلام . وقال الحق سبحانه : { ٱذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ } [ طه : 24 ] . فالأصل - إذن - كانت رسالة موسى - عليه السلام - ثم ضم الله سبحانه هارون إلى موسى إجابة لسؤال موسى ، والدليل على ذلك أن الآيات كلها المبعوثة في تلك الرسالة كانت بيد موسى ، وحين يكون موسى هو الرسول ، وينضم إليه هارون ، لا بد - إذن - أن يصبح هارون رسولاً . ولذلك نجد القرآن معبِّراً عن هذا : { إِنَّا رَسُولاَ رَبِّكَ … } [ طه : 47 ] . أي : أنهما رسولان من الله . وفي آية أخرى يقول الحق سبحانه : { فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولاۤ إِنَّا رَسُولُ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [ الشعراء : 16 ] . فهما الاثنان مبعوثان في مهمة واحدة ، وليس لكل منهما رسالة منفصلة ، بل رسالتهما واحدة لم تتعدد ، وإن تعدد المرسل فكانا موسى وهارون . ومثال ذلك - ولله المثل الأعلى - حين يوفد ملك أو رئيس وفداً إلى ملك آخر ، فيقولون : نحن رسل الملك فلان . وفي رسالة موسى وهارون نجد الأمر البارز في إلقاء الآيات كان لموسى . ولكن هارون له أيضاً أصالة رسالية لذلك قال الحق سبحانه : { إِنَّا رَسُولاَ … } [ طه : 47 ] . ذلك أن فرعون كان متعالياً سَمْجاً رَذْل الخُلُق ، فإن تكلم هارون ليشد أزر أخيه ، فقد يقول الفرعون : وما دخلك أنت ؟ ولكن حين يدخل عليه الاثنان ، ويعلنان أنهما رسولان ، فإن رد فرعون هارون ، فكأنه يرد موسى أيضاً . أقول ذلك حتى نغلق الباب على من يريد أن يتورك القرآن متسائلاً : ما معنى أن يقول القرآن مرة " رسول " ومرة " رسولا " ؟ وفي هذا ردٌّ كافٍ على هؤلاء المتورّكين . ويقول الحق سبحانه هنا في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها : { ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِمْ مُّوسَىٰ وَهَارُونَ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَٱسْتَكْبَرُواْ … } [ يونس : 75 ] . والملأ : هم أشراف القوم ، ووجوهه وأعيانه والمقرَّبون من صاحب السيادة العليا ، ويقال لهم : " ملأ " لأنهم هم الذين يملأون العيون ، أي : لا ترى العيون غيرهم . وفرعون - كما نعلم - لم يصبح فرعوناً إلا بالملأ لأنهم هم الذين نصَّبوه عليهم ، وكان " هامان " مثلاً يدعم فكرة الفرعون ، وكان الكهنة يؤكدون أن الفرعون إله . ولكل فرعون ملأ يصنعونه ، والمثل الشعبي في مصر يقول : " قالوا لفرعون من فَرْعَنك ، قال : لم أجدا أحداً يردّني " . أي : أنه لم يجد أحداً يقول له : تَعقَّلْ . ولو وجد من يقول له ذلك لما تفرعن . والآيات التي بعث بها الله سبحانه إلى فرعون وملئه مع موسى وهارون من المعجزات الدالة على صدق نبوة موسى وهارون - عليهما السلام ، وفيها ما يُلْفِت إلى صدق البلاغ عن الله . أو أن الآيات هي المنهج الذي يثبت وجود الخالق الأعلى ، لكن فرعون وملأه استكبروا . والاستكبار : هو طلب الكبر ، مثلها مثل " استخرج " أي : طلب الإخراج ، ومثل " استفهم " أي : طلب الفهم . ومن يطلب الكبر إنما يفتعل ذلك لأنه يعلم أن مقوماته لا تعطيه هذا الكبر . وينهي الحق سبحانه هذه الآية بقوله : { … وَكَانُواْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ } [ يونس : 75 ] . وشرُّ الإجرام هو ما يتعدى إلى النفس ، فقد يكون من المقبول أن يتعدى إجرام الإنسان إلى أعدائه ، أما أن يتعدى الإجرام إلى النفس فهذا أمر لا مندوحة له ، وإجرام فرعون وملئه أودى بهم إلى جهنم خالدين مخلدين فيها ملعونين ، وفي عذاب عظيم ومهين . ويقول الحق سبحانه بعد ذلك : { فَلَمَّا جَآءَهُمُ ٱلْحَقُّ مِنْ عِندِنَا … } .