Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 10, Ayat: 83-83)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وإذا كان السحرة - وهم عُدَّة فرعون وعتاده لمواجهة موسى - أعلنوا الإيمان ، فعاقبهم الفرعون وقال : { آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ ءَاذَنَ لَكُمْ … } [ طه : 71 ] . فهذا يدل على أن فكرة الألوهية كانت ما تزال مسيطرة على عقله ولذلك خاف الناس من إعلان الإيمان ولذلك قال الحق سبحانه : { فَمَآ آمَنَ لِمُوسَىٰ إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ … } [ يونس : 83 ] . وكلمة " ذرية " تفيد الصغار الذين لم تلمسهم خميرة من الفساد الذي كان منتشراً ، كما أن الصغار يتمتعون بطاقة من النقاء ، ويعيشون في خُلُوٍّ من المشاكل ، ولم يصلوا إلى مرتبة السيادة التي يُحْرَصُ عليها ، ومع ذلك فهم قد آمنوا : { عَلَىٰ خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ … } [ يونس : 83 ] . وكلمة { عَلَىٰ خَوْفٍ } تفيد الاستعلاء ، مثل قولنا : " على الفرس " أو " على الكرسي " ويكون المستعلي في هذه الحالة متمكّناً من المستعلى عليه " ومن يستعلي إنما يركب المستعلي ، ويحمل المستعلي العبء . ولكن من استعمالات " على " أنها تأتي بمعنى " مع " . ومثال ذلك هو قول الحق سبحانه : { وَيُطْعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ … } [ الإنسان : 8 ] . أي : يطعمون الطعام مع حبه . وحين يأتي الحق سبحانه بحرف مقام حرف آخر فلا بد من علة لذلك . ومثال ذلك هو قول الحق سبحانه وتعالى : { فَلأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِّنْ خِلاَفٍ وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ ٱلنَّخْلِ … } [ طه : 71 ] . جاء الحق سبحانه بالحرف " في " بدلاً من " على " ليدل على أن عملية الصلب ستكون تصليباً قوياً ، بحيث تدخل أجزاء المصلوب في المصلوب فيه . وكذلك قول الحق سبحانه وتعالى : { وَيُطْعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ … } [ الإنسان : 8 ] . فكأنهم هم المستعلون على الحب ليذهب بهم حيث يريدون . وكذلك قول الحق سبحانه وتعالى : { عَلَىٰ خَوْفٍ … } [ يونس : 83 ] . أي : أنهم فوق الخوف يسير بهم إلى دهاليز توقُّع الآلام . وهم هنا آمنوا : { عَلَىٰ خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ … } [ يونس : 83 ] . والكلام هنا من الحق الأعلى سبحانه يبيِّن لنا أن الخوف ليس من فرعون لأن فرعون إنما يمارس التخويف بمن حوله ، فمثلهم مثل زُوَّار الفجر في أي دولة لا تقيم وزناً لكرامة الإنسان . وفرعون في وضعه ومكانته لا يباشر التعذيب بنفسه ، بل يقوم به زبانيته . والإشارة هنا تدل على الخوف من شيعة فرعون وملئهم . وقال الحق سبحانه هنا : { يَفْتِنَهُمْ } ، ولم يقل : " يفتنوهم " ليدلنا على ملحظ أن الزبانية لا يصنعون التعذيب لشهوة عندهم ، بل يمارسون التعذيب لشهوة عند الفرعون . وهكذا جاء الضمير مرة جمعاً ، ومرة مفرداً ، ليكون كل لفظ في القرآن جاذباً لمعناه . وحين أراد المفسرون أن يوضحوا معنى ذرية قالوا : إن المقصود بها امرأة فرعون آسية ، وخازن فرعون ، وامرأة الخازن ، وماشطة فرعون ، ومَنْ آمن مِنْ قوم موسى - عليه السلام - وكتم إيمانه . كل هؤلاء منعتهم خشية عذاب فرعون من إعلان الإيمان برسالة موسى لأن فرعون كان جَبَّاراً في الأرض ، مدّعياً للألوهية ، وإذا ما رأى فرعون إنساناً يخدش ادعاءه للألوهية فلا بد أن يبطش به بطشة فاتكة . لذلك كانوا على خوف من هذا البطش ، فقد سبق وأن ذبح فرعون - بواسطة زبانيته - أبناء بني إسرائيل واستحيا نساءهم ، وهم خافوا من هولاء الزبانية الذي نفَّذوا ما أراده فرعون . ولذلك جاء الضمير مرة تعبيراً عن الجمع في قوله سبحانه وتعالى : { وَمَلَئِهِمْ … } [ يونس : 83 ] . وجاء الضمير مفرداً معبراً عن فرعون الآمر في قوله سبحانه وتعالى : { أَن يَفْتِنَهُمْ … } [ يونس : 83 ] . فهم خافوا أن يفتنهم فرعون بالتعذيب الذي يقوم به أعوانه . والحق سبحانه وتعالى هو القائل : { وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي ٱلأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ ٱلْمُسْرِفِينَ } [ يونس : 83 ] . والمسرف : هو الذي يتجاوز الحدود . وهو قد تجاوز في إسرافه وادَّعى الألوهية . وقد قال الحق سبحانه ما جاء على لسان فرعون : { … أَنَاْ رَبُّكُمُ ٱلأَعْلَىٰ } [ النازعات : 24 ] . وقال الحق سبحانه أيضاً : { وَقَالَ فِرْعَوْنُ يٰأَيُّهَا ٱلْملأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرِي … } [ القصص : 38 ] . وعلا فرعون في الأرض علوَّ طاغية من البشر على غيره من البشر المستضعفين . وقال الحق سبحانه على لسان فرعون : { أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَـٰذِهِ ٱلأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِيۤ … } [ الزخرف : 51 ] . إذن : فقد كان فرعون مسرفاً أشد الإسراف . ويقول الحق سبحانه بعد ذلك : { وَقَالَ مُوسَىٰ يٰقَوْمِ … } .