Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 10, Ayat: 95-95)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وآيات الله سبحانه كما نعرفها متعددة إما آيات كونية وهي الأصل في المعتقد الأول بأن خالقها هو الخالق الأعلى سبحانه ، وتُلْفِت هذه الآيات إلى بديع صُنْعه سبحانه ، ودقة تكوين خلقه ، وشمول قدرتِه . وكذلك يُقصد بالآيات المعجزات المنزلة على الرسل - عليهم السلام - لتظهر صدق كل رسول في البلاغ عن الله تعالى . وآيات القرآن الكريم التي تحمل منهج الله . وهم كانوا يُكذِّبون بكل الآيات . والخطاب في هذه الآية هو خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ، وجاء معطوفاً على ما في الآية السابقة ، حيث يقول الحق سبحانه : { فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ … } [ يونس : 94 ] . وكل ما يرد من مثل هذا القول لا يصح أن نفهم منه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الممكن أن يشك ، أو من المحتمل أن يكون من الذين كذَّبوا بآيات الله - سبحانه وتعالى - ولكن إيراد مثل هذا الأمر ، هو إيراد لدفع خواطر البشرية ، أيًا كانت تلك الخواطر ، فإذا وجدنا الخطاب المراد به رسول الله صلى الله عليه وسلم في التنزيل ، فغاية المراد اعتدال موازين الفهم في أمّته تعليماً وتوجيهاً لأن المنهج مُنزّل عليه لتبليغه لأمته فهو شهيد على الأمم . وإذا كانت الآية التي سبقت توضح : إن كنت في شك فاسأل ، فهو سبحانه يعطيه السؤال ليستمع منه إلى الجواب ، وليُسْمعه لكل الأمة الجواب القائل : أنا لا أشك ولا أسأل ، وحسبي ما أنزل الله سبحانه عليَّ . ألم يَرِدْ في القرآن الكريم أن الحق سبحانه وتعالى يقول للملائكة يوم القيامة بمحضر من عبدوا الملائكة ، ويشير إلى هؤلاء الذين عبدوا الملائكة ومخاطباً ملائكته . { … أَهَـٰؤُلاَءِ إِيَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ } [ سبأ : 40 ] . ونحن نعلم أن الملائكة : { … لاَّ يَعْصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } [ التحريم : 6 ] . والحق سبحانه يعلم مسبقاً جواب الملائكة ، وهم يقولون : { سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمْ … } [ سبأ : 41 ] . ولكنه سبحانه وتعالى أراد أن يُسْمِع من في الحشر كلهم جواب الملائكة وهم يستنكرون أن يعبدهم أحد من الخَلق ، فهؤلاء الخلق إنما عبدوا الجن . إذن : فالسؤال جاء ليبين الرد عليه ، مثلما يرد عيسى عليه السلام حين يُعبد من بعض قومه ، ويسأله سبحانه عن ذلك : { أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـٰهَيْنِ مِن دُونِ ٱللَّهِ … } [ المائدة : 116 ] . فيأتي الجواب : { سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِيۤ أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ … } [ المائدة : 116 ] . إذن : فالمراد أن يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : أنا لا أشك ولا أسأل . والشك - كما نعلم - معناه : تساوي كفة النفي وكفة الإثبات ، فإن رجحت واحدة منهما فهذا ظن ، وتكون المرجوحة وَهْماً وافتراء وكذباً . وكلمة " الشك " مأخوذة من مسألة حسية ، فنحن نرى الصيادين وهم يصعون كل سمكة بعد اصطيادها في خيط يسمى " المشكاك " . وكذلك نرى من يقوم بـ لضْم العقود ، وهو يشك الحبة في الخيط . من هذا نأخذ أن الشك معناه : ضَمُّ شيء إلى شيء ، ومنه الشكائك ، وهي البيوت المنتظمة بجانب بعضها البعض . ومنه " شاك السلاح " أي : الذي ضَمَّ نفسه إلى الدرع . فالشك هو ضم شيء إلى شيء ، وفي النسب تضم النفي والإثبات معاً لأنك غير قادر على أن ترجِّح أحدهما . وكل خطاب في الشك يأتي على هذا اللون . والآية التي نحن بصددها تقول : { وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ } [ يونس : 95 ] . ونحن نعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو نفسه آية من الآيات ، وهكذا نرى أن الخطاب مُوجَّه لأمته ، فمن المستحيل أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم من المكذِّبين لآيات الله - سبحانه وتعالى - لأن التكذيب بآيات الله تعالى يعني : إخراج الصدق إلى الكذب ، وإخراج الواقع إلى غير الواقع . والذين كذبوا بالآيات إما أنهم لا يؤمنون بإله ، أو يؤمنون بإله ولا يؤمنون برسول ، أو يؤمنون بإله ويؤمنون برسول ولا يؤمنون بما أنزِل على الرسول صلى الله عليه وسلم . والذي يؤيد هذا وجود آية في آخر السورة يقول فيها الحق سبحانه : { قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي فَلاَ أَعْبُدُ ٱلَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ … } [ يونس : 104 ] . فكأن الخطاب المقصود منه الأمة . ويقول الحق سبحانه بعد ذلك : { إِنَّ ٱلَّذِينَ حَقَّتْ … } .