Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 96-96)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وهذا القول يوضح لنا أن الحق سبحانه وتعالى قد علم عِلْماً أزليّاً بأنهم لن يُوجِّهوا اختيارهم للإيمان . فحكمه هنا لا ينفي عنهم مسئولية الاختيار ، ولكنه علم الله الأزلي بما سوف يفعلون ، ثم جاءوا إلى الاختيار فتحقق علم الله سبحانه وتعالى بهم من سلوكهم . وحُكمْه سبحانه مبنيٌّ على الاختيار ، وهو حكم تقديري . ومثال ذلك - ولله المثل الأعلى - حين يأتي وزير الزراعة ، ويعلن أننا قدَّرنا محصول القطن هذا العام ، بحساب مساحة الأراضي المنزرعة قطناً ، وبالمتوسط المتوقع لكل فدان ، وقد يصيب الحكم ، وقد يخيب نتيجة العوامل والظروف الأخرى المحيطة بزراعة القطن ، فمن المحتمل أن يُصاب القطن بآفة من الآفات ، مثل : دودة اللوزة ، أو دودة الورقة . إذن : ففي المجال البشري قد يصيب التقدير وقد يخطىء لأن الإنسان يُقدِّر بغير علم مُطْلق ، بل بعلم نسبي . أما تقدير الحق سبحانه فهو تقدير أزلي ، وحين يُقدّر الحق سبحانه فلا بد من وقوع ما قدَّره . ولذلك يجب أن نفرق بين قضاء حكم لازم قهري ليس للإنسان فيه تصرف ، وبين قدر قد قُدِّر من الله تعالى أن يفعله الإنسان باختياره ، وهذه هي عظمة علم الغيب . ومثال ذلك : هو سلوك أبي لهب ، فقد نزل فيه قرآن يُتلَى : { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ } [ المسد : 1ـ2 ] . وقد نزلت السورة وأبو لهب على قيد الحياة لأن الحق سبحانه قد علم أزلاً أن خواطر أبي لهب لن تدفعه إلى الإيمان ، ولو أن أبا لهب امتلك ذرة من ذكاء لجاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : أنت قلت عنِّي إنني سأصْلَى النار ، لكن ها أنذا أعلن أنني أشهد ألا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله . لكن ذلك الذكاء لم يكن يملكه أبو لهب ، فقد علم الله أزلاً أن خواطره لن تدفعه إلى الإسلام ، مثلما دفعت حمزة بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم وعمر بن الخطاب ، وخالد بن الوليد ، وعمرو بن العاص . وكان إسلام هؤلاء رغم وقوفهم ضد النبي صلى الله عليه وسلم أمراً وارداً . وقد يُقدِّر البشر التقدير ، لكن هذا التقدير إنما يتم حسب المعلومات المتاحة لهم ، ولا يملك إنسان علماً كونيّاً أزليّاً بتقديراته ، فعلمه محدود ، وقد يأتي الأمر على غير ما يُقدِّر لأن الإنسان لا يملك ما يقدر . ولا يقولنَّ أحدٌ : إن الله يعاقب بعد أن قدَّر مسبقاً لأن تقدير الحق سبحانه نابع من علمه الأزلي ، وهم كانوا يتمتعون بحق الاختيار . والله سبحانه هو القائل : { وَإِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـٰذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَىٰ رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ } [ التوبة : 124 - 125 ] . ويقول الحق سبحانه بعد ذلك : { وَلَوْ جَآءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّىٰ يَرَوُاْ … } .