Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 10, Ayat: 97-97)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
إذن : فمجيء الآيات وتكرارها لن يفيدهم في الاتجاه إلى الإيمان لأن الحق سبحانه يعلم أنهم سيتوجهون باختيارهم إلى الكفر فقد قالوا - من قبل - ما أورده الحق سبحانه في كتابه العزيز : { وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلأَرْضِ يَنْبُوعاً * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ ٱلأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً * أَوْ تُسْقِطَ ٱلسَّمَآءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِٱللَّهِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ قَبِيلاً * أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَىٰ فِي ٱلسَّمَآءِ وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَراً رَّسُولاً } [ الإسراء : 90 - 93 ] . وكأن الحق سبحانه يأمر رسوله أن يقول موضحاً : لستُ أنا الذي يُنزل الآيات ، بل الآيات من عند الله تعالى ، ثم يأتي القرآن بالسبب الذي لم تنزل به تلك الآيات التي طلبوها ، فيقول سبحانه : { وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بِٱلآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا ٱلأَوَّلُونَ … } [ الإسراء : 59 ] . إذن : فقد نزلت آيات كثيرة لمن سبق في المعاندة والمعارضة ، ويقابل قضية عرض الإيمان عليه بكفر يملأ قلبه . فإن كان هناك من يبحث عن الإيمان فليدخل على بحث الإيمان بدون مُعتقد سابق ، ولينظر إلى المسألة ، وما يسمح به قلبه فليُدخله فيه وبهذا الاختيار القلبي غير المشروط بمعتقد سابق هو قمة القبول . وقد قال الحق سبحانه في الآيات السابقة كلاماً في الوحدانية ، وكلاماً في الآيات المعجزات ، وكلاماً في صدق النبوة ، وكلاماً عن القيامة ، وقصَّ لنا سبحانه بعضاً من قصص مواكب الرسل ، من نوح عليه السلام ، ثم فصَّل قليلاً في قصة موسى وهارون عليهما السلام ، ثم سيأتي من بعد ذلك بقصة يونس عليه السلام . ونحن نلحظ أن الحق سبحانه جاء بقصة نوح عليه السلام في إطناب ، ثم جاء بخبر عن رسل لم يَقُلْ لنا عنهم شيئاً ، ثم جاء بقصة موسى وهارون عليهما السلام ، ثم سيأتي من بعد ذلك بقصة يونس عليه السلام ، فالسورة تضم ثلاثاً من الرسالات : رسالة نوح ، ورسالة موسى وهارون ، ورسالة يونس : وهو الرسول الذي سُمِّيت السورة باسمه . ولسائل أن يقول : ولماذا جاء بهؤلاء الثلاثة في هذه السورة ؟ وأقول : لقد تعبنا كثيراً ، ومعنا كثير من المفسرين حتى نتلمَّس الحكمة في ذلك ، ولماذا لم تأت في السورة قصة هود ، وثمود ، وشعيب ، وكان لا بد أن تكون هناك حكمة من ذلك . هذه الحكمة فيما تجلى لنا أن الحق سبحانه وتعالى يعرض موكب الرسالة وموكب المعارضين لكل رسول ، والنتيجة التي انتهى إليها أمر الأعداء ، وكذلك النتيجة التي انتهى إليها أمر الرسول ومَنْ آمن به . ونجد الذين ذكرهم الله سبحانه هنا قد أهلكوا إهلاكاً متحداً بنوع واحد في الجميع ، فإهلاك قوم نوح كان بالغرق ، وكذلك الإهلاك لقوم فرعون كان بالغرق ، وكذلك كانت قصة سيدنا يونس لها علاقة بالبحر ، فقد ابتلعه الحوت وجرى في البحر . إذن فمَنْ ذُكِر هنا من الرسل كان له علاقة بالماء ، أما بقية الموكب الرسالي فلم تكن لهم علاقة بالماء . ونحن نعرف أن الماء به الحياة ، وبه الإهلاك لأن واهب الحياة يهب الحياة بالشيء ، ويُهلِك بالشيء نفسه . وكأن الحق سبحانه يبيِّن لنا الحكمة : أنا أهلكتُ بالغرق هناك ، ونجَّيْتُ من الغرق هنا . إذن : فطلاقة القدرة الإلهية هي المستولية على هذه السورة ، كما تظهر طلاقة القدرة في مجالات أخرى ، وبألوان أخرى . وسُميِّت هذه السورة باسم يونس لأن الحق سبحانه أرسله إلى أكثر من مائة ألف ، وهم الأمة الوحيدة في هذا المجال التي استثناها الحق سبحانه من الإهلاك ، فقد أغرق قوم نوح ، وأغرق قوم فرعون فكلاهما قد كذَّب الرسل ، ولكن قوم يونس أول ما رأوا البأس آمنوا فأنجاهم الله سبحانه . وسُمِّيت السورة باسم من نجا لأنه عاد إلى الحق سبحانه قبل أن يعاين العذاب ، ولكنهم رأوا فقط بشائر العذاب ، فنجَّوا أنفسهم بالإيمان . وهنا يقول الحق سبحانه وتعالى : { فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَآ إِيمَانُهَا … } .