Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 102-102)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أي : أن الأخذ الذي أخذ به الله القرى الكافرة ، إنما هو مثل حي لكل من يكفر . والحق سبحانه يقول : { وَٱلْفَجْرِ * وَلَيالٍ عَشْرٍ * وَٱلشَّفْعِ وَٱلْوَتْرِ * وَٱلَّيْلِ إِذَا يَسْرِ * هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِى حِجْرٍ } [ الفجر : 1 - 5 ] . أي : أن الحق سبحانه يقسم لعل كل صاحب عقلٍ يستوعب ضرورة الإيمان ، ويضرب الأمثلة بالقوم الذين جاءهم الأخذ بالعذاب ، فيقول سبحانه : { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ ٱلْعِمَادِ * ٱلَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي ٱلْبِلاَدِ * وَثَمُودَ ٱلَّذِينَ جَابُواْ ٱلصَّخْرَ بِٱلْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِى ٱلأَوْتَادِ * ٱلَّذِينَ طَغَوْاْ فِي ٱلْبِلاَدِ * فَأَكْثَرُواْ فِيهَا ٱلْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلْمِرْصَادِ } [ الفجر : 6 - 14 ] . فهو سبحانه قد أخذ كل هؤلاء أخذ العزيز المقتدر . وقوله سبحانه هنا : { وَكَذٰلِكَ … } [ هود : 102 ] . أي : مثل الأخذ الذي أخِذَتْ به القرى التي كذَّبت رسلها ، فظلمت نفسها . والأخذ هنا عقاب على العمل ، بدليل أنه أنجى شعيباً عليه السلام وأخذ قومه بسبب ظلمهم ، فالذات الإنسانية بريئة ، ولكن الفعل هو الذي يستحق العقاب . ومثال ذلك : نجده في قصة نوح عليه السلام حين قال له الحق سبحانه : { إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ … } [ هود : 46 ] . فالذي وضع ابن نوح في هذا الموضع هو أن عمله غير صالح لذلك فلا يقولن نوح : إنه ابني . فليس الإهلاك بعلَّة الذات والدم والقرابة ، بل الإهلاك بعلة العمل ، فأنت لا تكره شخصاً يشرب الخمر لذاته ، وإنما تكرهه لعمله ، ونحن نعلم أن البنوة للأنبياء ليست بنوة الذوات ، وإنما بنوة الأعمال . وكذلك نجد الحق سبحانه ينبه إبراهيم عليه السلام ألا يدعو لكل ذريته ، فحين كرَّم الحق سبحانه إبراهيم عليه السلام وقال : { إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً … } [ البقرة : 124 ] . جاء الطلب والدعاء من إبراهيم عليه السلام لله تعالى : { وَمِن ذُرِّيَّتِي … } [ البقرة : 124 ] . لأن إبراهيم عليه السلام أراد أن تمتد الإمامة إلى ذريته أيضاً ، فجاء الرد من الله سبحانه : { … لاَ يَنَالُ عَهْدِي ٱلظَّالِمِينَ } [ البقرة : 124 ] . وظلت هذه القضية في بؤرة شعور إبراهيم عليه السلام ، وعلم تماماً أن البنوَّة للأنبياء ليست بنوة ذوات ، بل هي بنوة أعمال . ولذلك نجد دعاء إبراهيم عليه السلام حين نزل بأهله في وادٍ غير ذي زرع ، وقال : { رَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا بَلَداً آمِناً وَٱرْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ ٱلثَّمَرَاتِ … } [ البقرة : 126 ] . وهنا انتبه إبراهيم عليه السلام وأضاف : { مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ … } [ البقرة : 126 ] . فجاء الرد من الحق سبحانه موضحاً خطأ القياس لأن الرزق عطاء ربوبية يستوي فيه المؤمن والكافر ، والطائع والعاصي فلا تخلط بين عطاء الربوبية وعطاء الألوهية لأن عطاء الألوهية تكليف ، وعطاء الربوبية رزق ، لذلك قال الحق سبحانه : { … وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلنَّارِ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } [ البقرة : 126 ] . فأنت يا إبراهيم دعوتَ برزق الأهل بالثمرات لمن آمن ، لأن بؤرة شعورك تعي الدرس ، لكن هناك فرقاً بين عطاء الألوهية في التكليف ، وعطاء الربوبية في الرزق ، فمن كفر سيرزقه ربه ، ويمتعه قليلاً ثم يكون له حساب آخر . إذن : فأخْذُ الحق سبحانه للظالمين بكفرهم هو عنف التناول لمخالفٍ ، وتختلف قوة الأخذ بقوة الآخذ ، فإذا كان الآخذ هو الله سبحانه ، فهو أخْذ عزيز مقتدر . وهو أخذ لمن ظلموا أنفسهم بقمة الظلم وهو الكفر ، وإن كان الظلم لحقوق الآخرين فهو فسق ، وأيضاً ظلم النفس فسق لأن الحق سبحانه حين يُحرِّم عليك أن تظلم غيرك فهو قد حرَّم عليك أيضاً ظلم نفسك . ويصف الحق سبحانه أخذه للظالمين بقوله : { … إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ } [ هود : 102 ] . أي : أن أخذه موجع على قدر طلاقة قدرته سبحانه . وهَبْ أن إنساناً أساء إلى إنسان ، فالحق سبحانه أعطى هذا الإنسان أن يرد السيئة بسيئة ، حتى لا تتراكم الانفعالات وتزداد . لذلك يقول الحق سبحانه : { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ … } [ النحل : 126 ] . حتى لا تبيت انفعالاتك عندك قهراً ، ولكن من كان لديه قوة ضبط النزوع فعليه أن ينظر في قول الحق سبحانه : { وَٱلْكَاظِمِينَ ٱلْغَيْظَ … } [ آل عمران : 134 ] . إذن : فإما أن ترد السيئة بعقاب مماثل لها ، وإما أن تكظم غيظك ، أي : لا تُترجم غيظك إلى عمل نزوعي ، وإما أن ترتقي إلى الدرجة الأعلى وهي أن تعفو لأن الله تعالى يحب من يحسن بالعفو . ولذلك حين سألوا الحسن البصري : كيف يُحسِن الإنسان إلى من أساء إليه ؟ أجاب : إذا أساء إليك عبد ، ألاَ يُغضب ذلك ربه منه ؟ قالوا : نعم . قال : وحين يغضب الله من الذي أساء إليك ألا يقف إلى جانبك أفلا تحُسِن إلى من جعل الله يقف إلى جانبك ؟ ولهذا السبب يُروى عن أحد الصالحين أنه سمع أن شخصاً اغتابه فأهدى إليه - مع خادمه - طبقاً من بواكير الرطب ، وتعجب الخادم متسائلاً : لماذا تهديه الرطب وقد اغتابك ؟ قال العارف بالله : بَلِّغْهُ شكري وامتناني لأنه تصدَّق عليَّ بحسناته عندما اغتابني ، وحسناته - بلا شك - أنفَسُ من هذا الرطب . ولذلك يقال : إن الذي يعفو أذكى فهماً ممن عاقب ، لأن الذي يعاقب إنما يعاقب بقوته والذي يعفو فهو الذي يترك العقاب لقوة الله تعالى ، وهي قوة لا متناهية . وهكذا نفهم قول الحق سبحانه : { وَكَذٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ ٱلْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ } [ هود : 102 ] . أي : أخذٌ موجعٌ على قدر قوة الله سبحانه وهو أخذ شديد لأن الشدة تعني : جمع الشيء إلى الشيء بحيث يصعب انفكاكه أو أن تجمع شيئين معاً وتقبضهما بحيث يصعب تحلل أي منهما عن الآخر . وهذه أقوى غاية القوة . ويقول الحق سبحانه بعد ذلك : { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ ٱلآخِرَةِ … } .