Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 101-101)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ويبيِّن الحق سبحانه هنا أنه حين أخذ تلك الأقوام بالعذاب لم يظلمهم لأن معنى الظلم أن يكون لإنسانٍ الحق ، فتسلبه هذا الحق . وفي واقع الأمر أن تلك الأمم التي كفرت وأخذها الله بالعذاب ، هي التي ظلمت نفسها بالشرك ، وكذَّبت تلك الأقوام الرسل الذين جاءوا وفي يد كل منهم دليل الصدق وأمارات الرسالة . وهكذا ظلم هؤلاء الكفار أنفسهم لذلك لا بد أن نعلم أن الحق سبحانه مُنزَّه عن أن يظلم أحداً . وهم حين أشركوا بالله - تعالى - آلهة أخرى ، لماذا لم تتحرك تلك الآلهة المزعومة وتتدخل لتحمي مَنْ آمنوا بها ؟ ! ويخبرنا الحق سبحانه أن الحجارة التي عبدوها تلعنهم ، وهم في النار ، وهذه الأحجار تكون وقوداً للنار . والحق سبحانه يقول عن النار : { فَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِي وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ … } [ البقرة : 24 ] . وهؤلاء الذين عبدوا واحداً من الناس أو بعضاً من الأصنام ، إنما تجنَّوا ، بالجهل على هذا الإنسان الذي عبدوه أو تلك الأحجار التي صلَّوا لها أو قدَّسوها . والشاعر المسلم تأمل غار حراء وغار ثور وكلاهما من الأحجار - فوجد أن غار حراء قد شهد نزول الوحي على الرسول صلى الله عليه وسلم ، وغار ثور حمى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين اختفى فيه ومعه الصديق أبو بكر في أثناء الهجرة من مكة إلى المدينة ، فتخيل الشاعر أن غار ثور قد حسد غار حراء وقال : @ كَمْ حَسَدْنَا حِراءً حينَ يَرى الرُّوحَ أميناً يَغْزُوكَ بالأنْوَارِ فَحِرَاءٌ وثَوْرٌ صَارَا سَواءً بِهما تَشفَّعْ لأمَّةِ الأحْجَارِ @@ فغار حراء شهد جبريل عليه السلام وهو يهبط بالنور على محمد صلى الله عليه وسلم ، لكن غار ثور نال أيضاً الشرف لحمايته الرسول في الهجرة . ويقول الشاعر على لسان الأحجار : @ عَبَدُونا ونَحْنُ أعْبَدُ للهِ مِنَ القائِمينَ بالأسْحَارِ قَدْ تَجنَّوا جَهْلاً كمَا قَدْ تجَنَّوا علَى ابنِ مَرْيَمَ والحوَارِي لِلمُغَالِي جَزَاؤهُ والمُغَالَى فيهِ تُنْجِيهِ رَحْمَةُ الغَفَّارِ @@ وهكذا لا تُغني عنهم آلهتهم المعبودة شيئاً سواء أكانت بشراً أم حجارة ، لم تُغنِ عنهم شيئاً ولم ترفع عنهم العذاب الذي تلقوه عقاباً في الدنيا وسعيراً في الآخرة ، وإذا كانوا قد دعوهم من دون الله في الدنيا ، فحين جاء العذاب لم تتقدم تلك الآلهة لتحميهم من العذاب . ويُنهي الحق سبحانه الآية الكريمة بقوله : { … وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ } [ هود : 101 ] . أي : أن تخلّي تلك الآلهة التي أشركوها مع الله تعالى أو عبدوها من دون الله … هذا التخلي يزيدهم ألماً وإهلاكاً نفسياً وتخسيراً ، لأن التتبيب هو القطع والهلاك . والحق سبحانه يقول : { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } [ المسد : 1 ] . كذلك الأخذ الذي أخذ الله به القرى التي كذَّبت أنبياءها . لذلك يقول الحق سبحانه بعد ذلك : { وَكَذٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ … } .