Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 109-109)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فهل كان الرسول صلى الله عليه وسلم في مرية ؟ هل كان الرسول صلى الله عليه وسلم في شك ؟ لا ، ولكنه قول الآمر الأعلى سبحانه للأدنى ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في صدد هذا الأمر وبذلك ينصرف أمر الحق سبحانه إلى الدوام . مثلما قال الحق سبحانه للنبي صلى الله عليه وسلم : { أَقِمِ ٱلصَّلاَةَ … } [ الإسراء : 78 ] . وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يقيم الصلاة قبلها ، ولكن قول الحق سبحانه هنا إنما يمثل بداية التشريع . ومثل هذا أيضاً قول الحق سبحانه في خطاب النبي صلى الله عليه وسلم : { يَٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ ٱتَّقِ ٱللَّهَ وَلاَ تُطِعِ ٱلْكَافِرِينَ وَٱلْمُنَافِقِينَ … } [ الأحزاب : 1 ] . فهل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتقي الله ؟ نقول : لا ، إنما هو لإدامة التقوى ، فإنه إذا أمر الأعلى الأدنى بأمر هو بصدد فعله ، انصرف هذا الأمر إلى الدوام ، واتباع أمته للتقوى والإعراض عن النفاق والكفر ، وهو خطاب للرسول وأمته ، فللرسول الدوام والترقي والحصانة ، ولأمته الاتباع لمنهج الله . ومثل هذا قوله تعالى : { يَآأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ … } [ البقرة : 153 ] . وهو سبحانه يناديهم بالإيمان لأنهم اعتقدوا اعتقاد الألوهية الواحدة ، ومن يسمع منهم هذا الخطاب عليه أن يداوم على الإيمان . وما دام قد آمن بالإله الواحد قبل الخطاب ، فقد استحق أن ينال التكريم من الحق سبحانه بأن يخاطبه ويصفه بأنه من المؤمنين ، فإذا نُودِي عليهم بهذه الصفة فهي علامة السمو المقبول . وإذا طُلبت الصفة ممن توجد الصفة فيه ، فاعلم أنه سبحانه يطلب دوام الصفة فيه واستمرارها ، وفي الاستمرارية ارتقاء . وقول الحق سبحانه هنا : { مِّمَّا يَعْبُدُ هَـٰؤُلاۤءِ … } [ هود : 109 ] . نجد أن التحقيق لا يثبت لهم عبادة لأن معنى العبادة ائتمار عابدٍ بأمر معبود . وهؤلاء إنما يعبدون الأصنام ، وليس للأصنام منهج يسير عليه من آمنوا بها . ولكن الحق سبحانه أثبت لهم هنا أنهم عبدوا الأصنام ، وهم قد قالوا من قبل : { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ … } [ الزمر : 3 ] . وهو إيمان فقد حجية التعقل الإيماني ، أي : أن تستقبل أنت بذاتك القضية الإيمانية وتناقشها لتدخل عليها باقتناع ذاتك . وهم قد دخلوا إلى الإيمان بعبادة الأصنام باقتناع الغير ، وهم الآباء ، فإيمانهم إيمان تقليد ، وفي التقليد جفاف الفطرة السليمة وهو لا ينفع . ونحن نعلم أن الحق سبحانه وتعالى قد جعل النِّسَب في الكون إما ليثبت نسبة إيجابية ، أو نسبة سلبية . { مَا يَعْبُدُونَ … } [ هود : 109 ] . أي : على ما قالوا إنه عبادة ، ولكنه ليس عبادة ، لأن العبادة تقتضي أمراً ونهياً ، وليس للأصنام أوامر أو نواهٍ ، وعبادتهم هي عبادة تقليدية للآباء ولذلك قالوا : { بَلْ نَتَّبِعُ مَآ أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَآءَنَآ … } [ البقرة : 170 ] . ولذلك يقرر الحق سبحانه هنا جزاءهم ، فيقول تعالى : { . . وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنقُوصٍ } [ هود : 109 ] . أي : سنعطيهم جزاءهم كاملاً لأنهم يفسدون في الكون ، رغم أن الحق سبحانه قد جعل لكل منهم حق الاختيار في أن يفعل الشيء أو لا يفعله ، وإن لم تنضبط حركة الاختيار ، فالتوازن الاجتماعي يصير إلى اختلال . وما دام للإنسان حق الاختيار فقد أنزل الحق سبحانه له المنهج الذي يضم التكاليف الإيمانية . وهم حين قلدوا الآباء قد ساروا في طريق إفساد الكون لذلك يُوفِّيهم الحق سبحانه نصيبهم من العذاب . والمفهوم من كلمة " النصيب " أنها للرزق ، ويذكرها الحق سبحانه هنا لتقرير نصيب من العذاب ، وفي هذا تهكم عليهم ، وسخرية منهم . ويقول الحق سبحانه بعد ذلك : { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ ٱلْكِتَابَ فَٱخْتُلِفَ فِيهِ … } .