Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 110-110)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وسورة هود هي السورة الوحيدة في القرآن التي جاء فيها ذكر رسول واحد مرتين ، فقد ذكر الحق سبحانه أنه أمر موسى عليه السلام بأن يذهب إلى فرعون ، وأن يريه الآيات ، ولم يزد ، ثم انتقل من ذلك الإبلاغ فقال سبحانه : { يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ … } [ هود : 98 ] . أي : أنه أعقب أولية البلاغ بالختام الذي انتهى إليه فرعون يوم القيامة ، فيُورِد قومه النار . ثم يأتي الحق سبحانه هنا إلى موسى عليه السلام بعد ابتداء رسالته ولذلك يقول تعالى : { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ ٱلْكِتَابَ … } [ هود : 110 ] . ونحن نعلم أن ذِكْر موسى عليه السلام في البداية كان بمناسبة ذِكْر ما له علاقة بشعيب عليه السلام حين ورد موسى ماء مدين ، ولكن العجيب أنه عند ذِكْر شعيب لم يذكر قصة موسى معه ، وإنما ذكر قصة موسى مع فرعون . وقد علمنا أن موسى عليه السلام لم يكن آتياً إلى فرعون إلا لمهمة واحدة ، هي أن يرسل معه بني إسرائيل ولا يعذبهم . وأما ما يتأتى بعد ذلك من الإيمان بالله فقد جاء كأمر تبعيٍّ ، لأن رسالة موسى عليه السلام لم تكن إلا لبني إسرائيل ولذلك جاء هنا بالكتاب ليبلغه إلى بني إسرائيل منهجاً ، أما في الموضع الأول فقد ذكر سبحانه الآيات التي أرسل بها موسى إلى فرعون . ونحن نعلم أن سورة هود عرضت لمواكب الرسل : نوح ، وهود ، وصالح ، وشعيب ، وإبراهيم - عليهم جميعاً السلام - وجاء الحديث فيها عن موسى عليه السلام مرتين : مرة في علاقته بفرعون ، ومرة في علاقته ببني إسرائيل . وفي كل لقطة من اللقطات مهمة أساسية من مهمات المنهج الإلهي للناس عموماً ، من أول آدم عليه السلام إلى أن تقوم الساعة إلا أنه عند ذكر كل رسول يأتي باللقطة التي تعالج داءً موقوتاً عند القوم . فالقَدْر المشترك في دعوات كل الرسل هو قوله سبحانه : { ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ … } [ الأعراف : 59 ] . ثم يختلف الأمر بعد ذلك من رسول لآخر ، فمنهم من يأمر قومه ألا يعبدوا الأصنام ومنهم من يأمر قومه ألا ينقصوا الكيل والميزان . وهكذا نجد في كل لقطة مع كل رسول علاج داء من داءات تلك الأمة ، أما الإسلام فقد جاء ليعالج داءات البشرية كلها لذلك جمعت كل القيم الفاضلة في القرآن كمنهج للبشرية . لذلك فالحق سبحانه لا يقص علينا القصص القرآني للتسلية ، أو لقتل الوقت ، أو لتعلم التاريخ ولكن لنلتقط العبرة من رسالة كل رسول إلى أمته التي بعث إليها ليعالج داءها . وبما أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم ستكون آخر عهدٍ لالتقاء البشر بالبشر ، وستكون فيها كل أجواء وداءات الدنيا ، لذلك فعليهم التقاط تلك العبر لأن رسالتهم تستوعب الزمان كله ، والمكان كله . والحق سبحانه هنا يقول : { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ ٱلْكِتَابَ فَٱخْتُلِفَ فِيهِ … } [ هود : 110 ] . ونحن نعلم أنه إذا تقدم أمران على ضمير الغيبة فيصح أن يعود الضمير إلى كل أمر منهما . وقوله سبحانه : { فَٱخْتُلِفَ فِيهِ … } [ هود : 110 ] يصح أن يكون الاختلاف في أمر موسى ، ويصح أن يكون الاختلاف في أمر الكتاب ، والخلاف في واحد منهما يؤدي إلى الخلاف في الآخر لأنه لا انفصال بين موسى عليه السلام ، والكتاب الذي أنزله الله عليه . وهكذا فالأمران يلتقيان : أمر الرسالة في الكتاب ، وأمر الرسول في الاصطفاء ولذلك لم يجعلهما الحق سبحانه أمرين ، بل هما أمر واحد لأن الرسول لا ينفصل عن منهجه . وقوله الحق : { آتَيْنَا مُوسَىٰ ٱلْكِتَابَ … } [ هود : 110 ] أمر يتعلق بفعل الحق سبحانه ، ولله ذات ، ولله صفات ، ولله أفعال . وهو سبحانه مُنزَّه في ذاته عن أي تشبيه ، ولله صفات ، وهي ليست ككل الصفات ، فالحق سبحانه موجود ، وأنت موجود ، لكن وجوده قديم أزليٌّ لا ينعدم ، وأنت موجود طارىء ينعدم . ونحن نأخذ كل ما يتعلق بالله سبحانه في إطار : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ … } [ الشورى : 11 ] . فإذا تكلم الحق سبحانه عن الفعل فخذ كل فعلٍ صدر عنه بقوته سبحانه غير النهائية . وقوله سبحانه هنا : { آتَيْنَا مُوسَىٰ ٱلْكِتَابَ … } [ هود : 110 ] . نفهم منه أن هذا الفعل قد استلزم صفات متكاملة ، علماً وحكماً ، وقدرةً ، وعفواً ، وجبروتاً ، وقهراً ، فهناك أشياء كثرة تتكاتف لتحقيق هذا الإتيان . وقد يسأل سائل : وما دام موسى عليه السلام قد أوتي الكتاب ، واختُلف فيه ، فلماذا لم يأخذ الحق سبحانه قوم موسى كما أخذ قوم نوح ، أو قوم عاد ، أو قوم ثمود ، أو بقية الأقوام الذين أخذهم الله بالعذاب ؟ ونقول : ما نجوا من عذاب الله بقدرتهم بل لأن الحق سبحانه قد جعل عذابهم آجلاً ، وهو يوم الحساب . ولذلك قال سبحانه في الآية نفسها : { وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ … } [ هود : 110 ] . وبذلك حكم الحق حكماً فاصلاً ، كما حكم على الأمم السابقة التي كانت مهمة رسلهم هي البلاغ ، ولم تكن مهمة رسلهم أن يحاربوا من أجل إرساء دعوة أو تثبيت حق ولذلك كانت السماء هي التي تتدخل بالأمر النهائي . لكن اختلف الأمر في رسالة موسى عليه السلام ، فقد سبق فيه قول الله تعالى بالتأجيل للحساب إلى يوم القيامة . ثم يقول الحق سبحانه هنا : { … وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ } [ هود : 110 ] . كأنهم في شك من يوم القيامة ، وفي شك من الحساب ، مثل قوله سبحانه في أول الآية عن الاختلاف في الكتاب وموسى عليه السلام . ويقول الحق سبحانه بعد ذلك : { وَإِنَّ كُـلاًّ لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ … } .