Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 10-10)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وهنا نجد الضراء هي الموجودة ، والنعماء هي التي تطرأ ، عكس الحالة الأولى ، حيث كانت الرحمة - من خير ويسر - هي الموجودة . فالنزع في الأولى طرأ على رحمة موجودة ، والنعماء طرأت على ضرَّاء موجودة . وهناك فرق بين نعماء ونعمة ، وضراء وضر فالضر هو الشيء الذي يؤلم النفس ، والنعمة هي الشيء الذي تتنعم به النفس . لكن التنعُّم والألم قد يكونان في النفس ، ولا ينضح أي منهما على الإنسان ، فإن نضح على الإنسان أثر النعمة يقال فيها " نعماء " ، وإن نضح عليه أثر من الضر يقال : " ضراء " . وهنا يقول الحق سبحانه : { وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَآءَ بَعْدَ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ ٱلسَّيِّئَاتُ عَنِّيۤ … } [ هود : 10 ] . ولا يفطن من يقول ذلك إلى المُذْهِب الذي أذهبَ السيئات لأن السيئة لا تذهب وحدها . ولو كان القائل مؤمناً لقال : رفع الله عني السيئات . لكنه غير مؤمن ولذلك يغرق في فرح كاذب وفخر لا أساس له . ويصفه الحق سبحانه وتعالى بقوله : { … إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ } [ هود : 10 ] . وكأن الفرح بالنعمة أذهله عن المنعم ، وعمن نزع منه السيئة . وأما الفخر ، فنحن نعلم أن الفخر هو الاعتداد بالمناقب ، وقد تجد إنساناً يتفاخر على إنسان آخر بأن يذكر له مناقب وأمجاداً لا يملكها الآخر . ونحن نعلم أن التميز لفرد ما يوجد في المجتمع ، ولكن أدب الإيمان يفرض ألا يفخر الإنسان بالتميز . ولذلك نجد النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر " . وفي أحدى المعارك نجده صلى الله عليه وسلم يقول : " أنا النبي لا كذب ، أنا ابن عبد المطلب " . وقد اضطر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول ذلك لأن الكافرين في تلك المعركة ظنوا أنهم حاصروه هو ومن معه وأنه سوف يهرب ، لكنه صلى الله عليه وسلم بشجاعته أعلن : " أنا النبي لا كذب ، أنا ابن عبد المطلب " وكان أقرب المسلمين إلى مكان الأعداء الكافرين وفي مواجهتهم . ونحن نجد المتصارعين أو المتنافسين ، واحدهم يدخل على الآخر بصوت ضخم ليهز ثقة الطرف الآخر بنفسه . والفخور إنسان غائب بحجاب الغفلة عن واهب المناقب التي يتفاخر بها ، ولو كان مستحضراً لجلال الواهب لتضاءل أمامه ، ولو اتجهت بصيرة المتكبر والفخور إلى الحق سبحانه وتعالى لتضاءل أمامه ، ولردَّ كل شيء إلى الواهب . ومثال ذلك في القرآن الكريم هو قول الحق سبحانه على لسان صاحب موسى عليهما السلام : { وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي … } [ الكهف : 82 ] . وهذا سلوك العابد المتواضع . أما حال الفخورين اللاهين عن الحق سبحانه وتعالى ، فقد صوره القرآن في قول قارون : { إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِيۤ … } [ القصص : 78 ] . وكان مصيره هو القول الحق : { فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ ٱلأَرْضَ … } [ القصص : 81 ] . ولذلك قلنا : إنك تحصِّن كل نعمة عندك بقولك عند رؤيتها : " بسم الله ما شاء الله " لتتذكر أن هذه النعمة لم تأت بجهدك فقط ، ولكنها جاءت لك أولاً بمشيئة الله سبحانه وتعالى ، وذلك لتبقي عين الواهب حارسة للنعمة التي عندك . أما حين تنسى الواهب فلن يحفظ تلك النعمة لك . ونحن نلحظ أن الحق سبحانه وتعالى لم يمنع الفرح المنبعث عن انشراح الصدر والسرور بنعمة الله بل طلبه منا في قوله سبحانه : { قُلْ بِفَضْلِ ٱللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ … } [ يونس : 58 ] . ولكن الحق سبحانه يطلب من المؤمن أن لا يكون الفرح المنبعث لأتفه الأسباب ، والملازم له ، وإلا كان من الفرحين الذين ذمهم الله تعالى . يقول الحق سبحانه وتعالى بعد ذلك : { إِلاَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ … } .