Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 116-116)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وكلمة " لولا " هنا تحضيضية ، والتحضيض إنما يكون حثاً لفعلٍ لم يأت زمنه ، فإن كان الزمن قد انتهى ولا يمكن استدراك الفعل فيه ، تكون " لولا " للتحسر والتأسف . وفي سورة يونس يقول الحق سبحانه : { فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَآ إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ … } [ يونس : 98 ] . وذكَّرهم بالآيات . ونحن قد علمنا أن " لولا " لها استعمالان في اللغة ، فهي إن دخلت على جملة اسمية ، فهي تدل على امتناع لوجود ، كقول إنسان لآخر : " لولا أن أباك فلاناً لضربتك على ما أذنبت " وتسمى " لولا " في هذه الحالة " حرف امتناع لوجود " . وإذا دخلت " لولا " على جملة فعلية ، فهي أداة تحضيض ، وتحميس ، وحث المخاطب على أن يفعل شيئاً ، مثلما تشجِّع طالباً على المذاكرة ، فتقول له : " لولا ذاكرت بجد واجتهاد في العام الماضي لما نجحت ووصلت إلى هذه السنة الدراسية " . وفي هذا تحميس له على بذل مزيد من الجهد ، أما إذا قلت لراسب : " لولا ذاكرت لما رسبت " فهذا توبيخ وتأسيف له على ما فات ، وشحن طاقته لما هو آت لأن الزمن قد فات وانتهى وقت المذاكرة لذلك تكون " لولا " - هنا - للتقريع والتوبيخ . والحق سبحانه وتعالى يرشدنا إلى أن بقية الأشياء هي التي ثبتت أمام أحداث الزمن ، فأحداث الزمن تأتي لتطوح بالشيء التافه أولاً ، ثم بما دونه ثم بما دونه ، ويبقى الشيء القوي لأنه ثابت على أحداث الزمن وبقية الأشياء دائماً خيرها . والحق سبحانه قد بيَّن لنا أنه قد أهلك الأمم التي سبقت لأنه لم توجد فئة منهم تنهى عن الفساد في الأرض ، وجاء الإهلاك لامتناع من يقاوم الفساد بالأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر . وضرب الحق سبحانه لنا المثل بالبقية في كل شيء ، وأنها هي التي تبقى أمام الأحداث ، ففي قصة شعيب عليه السلام يقول الحق سبحانه : { يٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ وَلاَ تَنقُصُواْ ٱلْمِكْيَالَ وَٱلْمِيزَانَ إِنِّيۤ أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ * وَيٰقَوْمِ أَوْفُواْ ٱلْمِكْيَالَ وَٱلْمِيزَانَ بِٱلْقِسْطِ وَلاَ تَبْخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشْيَآءَهُمْ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي ٱلأَرْضِ مُفْسِدِينَ * بَقِيَّةُ ٱللَّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ … } [ هود : 84 - 86 ] . ومعنى ذلك أن نقص المكيال أو الميزان قد يزيد التاجر ما عنده ، ولكنه لا يلتفت إلى ما هو مدخور . ولذلك قال شعيب عليه السلام : { وَيٰقَوْمِ أَوْفُواْ ٱلْمِكْيَالَ وَٱلْمِيزَانَ بِٱلْقِسْطِ وَلاَ تَبْخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشْيَآءَهُمْ … } [ هود : 85 ] . فأنت إن نظرت إلى شيء قد ذهب ، فامتلك القدرة على أن تحقق فيه بالفهم ، لتجده مدخراً لك باقياً . ولنا المثل في موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - حينما سألها عن شاة أُهديت له ، وكانت تعرف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب من الشاة كتفها ، فتصدقت بكل الشاة إلا جزءاً من كتفها ، فلمَّا سألها : ما فعلت بالشاة قالت : ذهبت كلها إلا كتفها . هكذا نظرت عائشة - رضي الله عنها - هذا المنظور الواقعي بأن الباقي من الشاة هو كتفها فقط ، وأنها تصدقت بباقي الشاة ، ويلفتها رسول الله صلى الله عليه وسلم لفتة إيمان ويقين ، ويقول لها : " بقي كلها إلا كتفها " . هكذا نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ما بقي من الشاة من خير . ويؤيد ذلك حديث قاله صلى الله عليه وسلم : " وهل لك يابن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت ، أو لبست فأبليت ، أو تصدقت فأمضيت " . ويلفتنا القرآن الكريم إلى المنظور ، وإلى المدخور ، فيقول الحق سبحانه : { ٱلْمَالُ وَٱلْبَنُونَ زِينَةُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَٱلْبَاقِيَاتُ ٱلصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً … } [ الكهف : 46 ] . ويصف الحق سبحانه هذا المدخور بقوله : { … ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً } [ الكهف : 46 ] . وفي آية أخرى يقول سبحانه : { … وَٱلْبَاقِيَاتُ ٱلصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ مَّرَدّاً } [ مريم : 76 ] . إذن : لا بد أن تنظر إلى الباقيات في الأشياء لأنها هي التي يُعوَّل عليها . ويلفتنا الحق سبحانه إلى ذلك في أكثر من موضع من القرآن الكريم ، فيقول تعالى : { وَٱلآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ } [ الأعلى : 17 ] . ويقول سبحانه : { وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ … } [ القصص : 60 ] . إذن : فإياك أن تنظر إلى الذاهب ، ولكن انظر إلى الباقي . وإذا عضَّتِ الإنسان الأحداث في أي شيء ، نجد أن سطحي الإيمان يفزع مما ذهب ، ونجد راسخ الإيمان شاكراً لله تعالى على ما بقي . وها هو ذا سيدنا عبد الله بن جعفر - رضي الله عنه - حينما جُرحت ساقه جرحاً شديداً ، وهو في الطريق إلى الشام ، ولحظة أن وصل إلى قصر الخلافة قال الأطباء : لا بد من التخدير لنقطع الساق المريضة ، فقال : والله ما أحب أن أغفل عن ربي طرفة عين . وكان هذا القول يعني أن تجرى له جراحة بتر الساق دون مخدر ، فلمَّا قُطعت الساق ، وأرادوا أن يأخذوها ليدفنوها لتسبقه إلى الجنة إن شاء الله قال : ابعثوا بها ، فجاءوا بها إليه ، فأمسكها بيده وقال : اللهم إن كنت قد ابتليت في عضو فقد عافيت في أعضاء . هكذا نظر المؤمن إلى ما بقي . وحين يتكلم القرآن الكريم عن مراتب ومراقي الإيمان يقول مرة : { فَأُوْلَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ … } [ غافر : 40 ] . ويقول عن أناس آخرين : { أُولَـٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ … } [ البقرة : 157 ] . والجنة باقية بإبقاء الله لها ، ولكن رحمة الله باقية ببقاء الله ، وهكذا تكون درجة الرحمة أرقى من درجة الجنة . وهكذا تجد في كل أمر ما يسمى بالباقيات . وهنا يقول الحق سبحانه : { فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ ٱلْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْفَسَادِ فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ … } [ هود : 116 ] . أي : لولا أن كان في الناس بقية من الخير وبقية من الإيمان ، وبقية من اليقين ، وكانوا ينهون عن الفساد في الأرض ، لولا هم لخسف الله الأرض بمن عليها . والبقايا في كل الأشياء هي نتيجة الاختيار ، والاختبار مصداقاً لقول الحق سبحانه : { فَأَمَّا ٱلزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَآءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي ٱلأَرْضِ … } [ الرعد : 17 ] . وفي العصر الحديث نقول : " البقاء للأصلح " . إذن : فالحق سبحانه إنما يحفظ الحياة بهؤلاء الذين ينهون عن الفساد في الأرض لأنهم يعملون على ضوء منهج الله ، وهذا المنهج لا يزيد ملكاً لله ، ولا يزيد صفة من صفات الكمال لله ، لأنه سبحانه خلق الكون بكل صفات الكمال فيه ، ومنهجه سبحانه إنما يُصلح حركة الحياة ، وحركة الأحياء . وهكذا يعود منهج السماء بالخير على مخلوقات الله ، لا على الله الذي كوَّن الكون بكماله . واقرأ إن شئت قول الحق سبحانه : { وَٱلسَّمَآءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ ٱلْمِيزَانَ * أَلاَّ تَطْغَوْاْ فِي ٱلْمِيزَانِ } [ الرحمن : 7 - 8 ] . فكما رفع الحق سبحانه السماء بلا عمد ، وجعل الأمور مستقرة متوازنة فلكم أن تعدلوا في الكون في الأمور الاختيارية بميزان دقيق لأن اعوجاج الميزان إنما يفسد حركة الحياة . ومن اعوجاج الميزان أن يأخذ العاطل خير الكادح ، ويرى الناس العاطل ، وهو يحيا في ترفٍ من سرقة خير الكادح ، فيفعلون مثله ، فيصير الأمر إلى انتشار الفساد . وينزوي أصحاب المواهب ، فلا يعمل الواحد منهم أكثر من قدر حاجته لأن ثمرة عمله إن زادت فهي غير مصونة بالعدالة . وهكذا تفسد حركة الحياة ، وتختل الموازين ، وتتخلف المجتمعات عن ركب الحياة . والحق سبحانه وتعالى يقول : { فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ ٱلْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْفَسَادِ فِي ٱلأَرْضِ … } [ هود : 116 ] . وشاء الحق سبحانه أن يجعل أمة محمد صلى الله عليه وسلم خير الأمم بشرط أن يأمروا بالمعروف ، وينهوا عن المنكر . قال الله تعالى : { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ … } [ آل عمران : 110 ] . وجعلها الحق سبحانه الأمة الخاتمة ، لأنه لا رسالة بعد رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ، وقد كانت الرسالات قبلها تأتي بعد أن يتقلص الخير في المجتمعات ، وفي النفوس . فقد وضع الحق سبحانه المنهج لأول الخلق في النفس الإنسانية ، وكانت المناعة ذاتية في الإنسان ، إن ارتكب ذنباً فهو يتوب ويرجع بعد أن يلوم نفسه ، ولكن قد يستقر أمره على المعصية ، وتختفي منه " النفس اللوَّامة " ، ويستسلم للنفس الأمَّارة بالسوء ، فيجد من المجتمع من يقوِّمه ، فإذا ما فسد المجتمع ، فالسماء تتدخل بإرسال الرسل ، إلا أمة محمد صلى الله عليه وسلم فقد أمَّنها الحق سبحانه أنه سيظل فيها إلى أن تقوم الساعة من يدعو إلى الخير ، ومن يأمر بالمعروف ، ومن ينهى عن المنكر ولذلك لن يوجد أنبياء بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم . ولذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم تأكيداً لهذا المعنى : " علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل " . والعَالِم : هو كل من يعلم حكماً من أحكام الله سبحانه ، وعليه أن يبلغه إلى الناس . ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " نضَّر الله وجه امرىءٍ سمع مقالتي فوعاها ، وأدَّاها إلى من لم يسمعها ، فرُبَّ مُبلَّغ أوعى من سامع " . ويقول الحق سبحانه : { … أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْفَسَادِ فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَٱتَّبَعَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَآ أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ } [ هود : 116 ] . وقد أنجى الحق سبحانه بعضاً ممن نهوا عن الفساد في الأرض . ونرى أمثلة على ذلك في القرية التي كانت حاضرة البحر ، وكانت تأتيهم حيتانهم شُرعاً يوم السبت الذي حرموا فيه الصيد على أنفسهم ، ويوم لا يسبتون لا تأتيهم . ويقول الحق سبحانه : { وَإِذَا قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً ٱللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ * فَلَماَّ نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا ٱلَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ ٱلسُوۤءِ وَأَخَذْنَا ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ } [ الأعراف : 164 - 165 ] . هكذا أنجى الله سبحانه الذي نهوا عن السوء في تلك القرية ، وقد نرى في بعض المجتمعات عنصرين : الأول : أنه لا يوجد طائفة تنهى عن الفساد . والعنصر الثاني : أن ينفتح على المجتمع باب الترف على مصراعيه ، وفي انفتاح باب الترف على مصراعيه مذلَّة للبشر لأنك قد تجد إنساناً لا تترفه إمكاناته فيزيد هذه الإمكانات بالرشوة والسرقة والغصب . وكل ذلك إنما ينشأ لأن الإنسان يرى مترفين يتنعمون بنعيم لا تؤهله إمكاناته أن يتنعم به . ويقول الحق سبحانه وتعالى عن إهلاك مثل هذه المجتمعات : { وَإِذَآ أَرَدْنَآ أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا … } [ الإسراء : 16 ] . وبعض الناس يفهمون هذه الآية الكريمة على غير وجهها فهم يفهمون الفسق على أنه نتيجة لأمر من الله - سبحانه وتعالى - والحقيقة أنهم إنما قد خالفوا أمر الله لأن الحق سبحانه يقول : { وَمَآ أُمِرُوۤاْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ … } [ البينة : 5 ] . أي : أن الحق سبحانه أمر المترفين أن يتبعوا منهج الله ، لكنهم خالفوا المنهج الإلهي مختارين ففسقوا عن أمر ربهم . وفي الآية الكريمة التي نحن بصدد خواطرنا عنها : { وَٱتَّبَعَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَآ أُتْرِفُواْ فِيهِ … } [ هود : 116 ] . وقوله سبحانه : ظلموا تبين أن مادة الترف التي عاشوا فيها جاءت من الظلم ، وأخذ حقوق الناس وامتصاص دماء الكادحين . ومادة ترف تعني النعمة يتنعم بها الإنسان . ومنها : أَترف ، وأُترف ، وكلمة " أترف " أي : أطغته النعمة ، وأنسته المنعم سبحانه . وأترف ، أي : مد الله له في النعمة ليأخذه أخذ عزيز مقتدر . والحق سبحانه يقول : { فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أُوتُوۤاْ أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً … } [ الأنعام : 44 ] . فمن يمسك عدوه ليرفعه فلا يظنن أنه يدلِّله ، ولكنه يرفعه ليلقيه من علٍ ، فيزداد ويعظم ألمه . وكان الله سبحانه قد أعطى أمثال هؤلاء نعمة ليطغوا . ولنا أن ننتبه إلى كلمة " الفتح " التي تجعل النفس منشرحة ، وعلينا أن ننتبه إلى المتعلق بها ، أهو فتح عليك ، أم فتح لك ؟ إن فُتح عليك فافهم أن النعمة جاءت لتطغيك ، ولكن إن فُتح لك ، فهذا تيسير منه سبحانه ، فهو القائل : { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً } [ الفتح : 1 ] . وهؤلاء الذين يحدثنا الحق سبحانه عنهم في هذه الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها قد فتح الله سبحانه عليهم أبواب الضر لأنهم غفلوا عنه . ويُنهي الحق سبحانه الآية الكريمة بقوله : { … وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ } [ هود : 116 ] . أي : كانوا يقطعون ما كان يجب أن يوصل وهو اتباع منهج السماء لأن كلمة مجرمين مأخوذة من مادة " جرم " وتعني : " قطع " ، وقطع اتباع منهج السماء والغفلة عن الإيمان بالخالق سبحانه ، والاستغراق في الترف الذي حققوه لأنفسهم بظلم الغير ، وأخذ نتيجة عرق وجهد الغير . ويقول الحق سبحانه من بعد ذلك : { وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ … } .