Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 123-123)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أي : أن ما جاء من ذكر حكيم هو أمر غائب عنكم ، يخبركم به الله - سبحانه - من خلال ما يُنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم . وقد شاء الحق - سبحانه - أن يحفظ هذا الذِّكْر الحكيم ، ثقة منه - سبحانه - أنه إذا أخبرنا في القرآن بخبر لم يجيء أوانه ، فَلْنفهم أنه قد أخبر بما له من أزلية علم بالكون وما يجري فيه ، وبما له من قدرة مطلقة تتحكم فيما يؤول إليه أمر المُختار من الكائنات - مؤمنهم وكافرهم - فإذا حدثنا القرآن بشيء مما يغيب عن الإنسان ، فلنعلم أنه إخبار بصدق مطلق . وهناك الكثير مما يغيب عن الإنسان ، وهناك حجاب بين وسائل إدراك الإنسان وبين بعض المُدْركات ، ومرة يكون الحجاب حجابَ زمنٍ ، فإذا أخبر الله - تعالى - عن أمر لم نشهده من قديم قد أَوْغَلَ في الزمن ، ولم يقرأه النبي صلى الله عليه وسلم في كتاب ولم يسمعه من معلِّم فهذا كَشْف لحجاب الماضي . ولذلك فبعض سور القرآن الكريم يسميها العلماء " ماكُنات القرآن " مثل قوله الحق : { وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ } [ آل عمران : 44 ] . وغير ذلك من الآيات التي تبدأ بقوله الحق : { مَا كُنْتَ } . وقد كان هناك أناس في ذلك الماضي يدركون ما صار غيباً عن الرسول ومَنْ معه لكن الحق - سبحانه - أظهر هذا الغيب للرسول الذي لم يجلس إلى مُعلِّم بشهادة أعدائه ، وكذلك كشف الحق - سبحانه - لرسوله حجاب الزمان وحجاب المكان . ومَنْ ينكشف له حجاب الزمان وحجاب المكان إنما ينكشف له حجاب المستقبل أيضاً ، والذي كشف هذا هو الحق - سبحانه - الذي قدَّر مجيء هذا العالم ، وما سوف يحدث فيه إلى أن تقوم الساعة . وقد طمر الحق - سبحانه - في القرآن أموراً لو كُشف عنها في زمن بَعْثة الرسول لكان الحديث عنها فوق مستوى العقول والإدراك وتحدث - سبحانه - عن وقائع مستقبلية بالنسبة للمعاصرين لرسول الله صلى عليه وسلم لم يكن أحد يتوقعها . وكانت هناك معركة بين أرقى حضارتين معاصرتين للإسلام حضارة فارس وحضارة الروم ، وكانت الحضارتان تتنازعان السيطرة وتوسيع مناطق النفوذ . وهَزَمَتْ فارس - التي لا تؤمن بإله - امبراطورية الروم التي تعتنق المسيحية ، ولا تؤمن برسالة محمد الخاتمة . لذلك حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم لهزيمة الذين يؤمنون بإله في السماء فَيُسرِّي الله - سبحانه - الأمر على رسوله ، ويُنزِل الحق - سبحانه - قرآناً يُتلَى على مَرِّ العصور وكل الأزمان يحمل نبوءة انتصار الروم بعد هزيمتهم من الفرس . ويقول سبحانه : { الۤـمۤ * غُلِبَتِ ٱلرُّومُ * فِيۤ أَدْنَى ٱلأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ ٱلأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ ٱلْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ ٱللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَآءُ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ } [ الروم : 1 - 5 ] . هكذا تأتي النبوءة في القرآن تحمل التحديد لميعاد نصر الروم في بضع سنين و " البِضْع " يقصد به من ثلاث لتسع سنوات . وإنْ قيل : تلك نبوءة محمد ، نقول : ما عِلْم محمد بأخبار المعسكرين ولا بأسرار السياسة الداخلية لهما ؟ وقد جاء نصر الروم كما حدد القرآن ، وكان هذا هَتْكا للحجب ، حجاب الزمان ، وحجاب المكان ، وحجاب الناس ، وأوحى به الحق سبحانه عالم الغيب المطلق لرسوله صلى الله عليه وسلم . والغيب المطلق هو الذي لا يعرفه إلا الحق - تبارك وتعالى - وليس له مقدمات ، ويكشفه الله لمن يرتضيه ، مصداقاً لقوله - سبحانه : { عَالِمُ ٱلْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَداً * إِلاَّ مَنِ ٱرْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ … } [ الجن : 26 - 27 ] . وهذا الغيب المطلق يختلف عن الغيب المقيّد الذي له مقدمات ما إن يأخذ بها الإنسان ويرتبها حتى يصل إلى اكتشاف سرٍّ من أسرار الكون . والحق - سبحانه - هو القائل : { مَن ذَا ٱلَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَآءَ … } [ البقرة : 255 ] . وهكذا نعلم أن كل المكتشفات كانت موجودة في الكون ومطمورة فيه وجعل الله - تعالى - لكل مستور منها ميلاداً ، فالبخار واستخدامه في الحركات كان له ميلاد والكهرباء كان لها ميلاد واكتشاف الذرة كقوة ومصدر للطاقة كان له ميلاد ، وكل مُكْتَشف ومُخْتَرع له ميلاد ، وتتوالى مواليد الغيب مستقبلاً ، وفي ميلادها إيمان اليقين بمن أخفاه وأظهره ، وهو الله الحكيم . وقد يأتي هذا الميلاد بكشف وبحث وقد يُظهره الله بدون بَحْث أو يُظهره صدفة مثلما أظهر قانون الطفو النابع من قاعدة " أرشميدس " ومثلما أظهر الحق - سبحانه - قانون الجاذبية صدفة أي : أنه سبب من الأسباب جعل عبداً من عباده يبحث في شيء ، فيظهر له شيء لم يكن يبحث عنه ولذلك نسب الحق - سبحانه - الإحاطة له - سبحانه . وهنا يقول الحق - سبحانه : { وَللَّهِ غَيْبُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ ٱلأَمْرُ كُلُّهُ … } [ هود : 123 ] . ولم يقل : " إليه يَرْجع الأمر كله " ، لأنه سبحانه ضبط كل مخلوق على قدر . ولله المثل الأعلى : كما تضبط أنت المنبه على ميقات معين ، وكما يضبط المقاتل القنبلة لتنفجر في توقيت معين ، والكون كله مُرتَّب على هذا الترتيب . والله - سبحانه - القائل : { إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } [ يس : 82 ] . فكل شيء إنما يرجع إلى الله في التوقيت الذي شاءه الله . أو : أن الأمر هو كل ما يتعلق بكائن حي لأن الحق - سبحانه - قد خلق في الكون أشياء وترك ملكيتها له - سبحانه - والحق - سبحانه - لا ينتفع بها ، أما الإنسان فينتفع بها ، وإن كان لا يقربها ولا يملكها ، مثل : الشمس التي ترسل أشعتها ، ويستفيد الإنسان بضوئها وحرارتها ، وهي لا تدخل في ملكية الإنسان لأنها من أساسيات الحياة لذلك لم يجعل للإنسان الذي خَصَّه الله بخاصية الاختيار حق ملكيتها أو الاقتراب منها حتى لا يعبث بها . وكذلك كل أساسيات الحياة جعلها الحق - سبحانه - في سلطته وحده ، ولم يَأْمَنْ أحداً من خلقه عليها ، مثل الأرض بعناصرها ، وكذلك الماء والهواء حتى لا يعبث أحد بأنفاس الهواء لأحد آخر . شاء الحق سبحانه أن يجعل الأساسيات في يده دون أن يُملِّكها لأحد رحمةً منه بنا ، ذلك أنه - سبحانه - عَلِمَ أن الإنسان بما تعتريه من أغيار قد يسيء استخدام تلك الأساسيات . وسَخَّر الله هذه الأساسيات لخدمة كل المخلوقات ، وسخَّر بعض المخلوقات ليسُوسها الإنسان ، وبعض المخلوقات الآخر لم يستطع الإنسان تسخيره ، وحتى قوة الإنسان نفسه شاء الحق - سبحانه - أن يجعلها أغياراً فالقوي يسير إلى الضَّعْف ، والفقير قد يصبح غنياً . وهكذا يَثْبت لنا أن كل ما نملك موهوب لنا من الله - تعالى - وليس هناك ما هو ذاتيٌّ فِينا ، وما نملكه اليوم لا يخرج عن الملكية الموقوتة ، فإذا جاء يوم القيامة رجع كل ما نملك لله - سبحانه وتعالى . ولذلك يقول الحق - سبحانه : { لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ ٱلْقَهَّارِ } [ غافر : 16 ] . ولذلك أيضاً تشهد الجوارح على الإنسان لأنها تخرج عن التسخير الذي كانت عليه في الدنيا . وإذا كان الحق - سبحانه - يقول هنا : { وَللَّهِ غَيْبُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ … } [ هود : 123 ] . فهو - سبحانه - يقول في آية أخرى : { لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ ٱلثَّرَىٰ } [ طه : 6 ] . وكأن الحق - سبحانه - ينبه البشر منذ نزول القرآن إلى أهمية ما تحت الثرى من كنوز يمتنُّ الله - تعالى - بها على عباده أنه يملكها . ونحن نعيش الآن باستخراج المكنوز الذي تحت الثرى . وحين يقول الحق - سبحانه هنا - في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها - : { وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ ٱلأَمْرُ كُلُّهُ … } [ هود : 123 ] . ففي ذلك تنبيه لكل إنسان ، ليعمل مُسْتهدفاً النجاة حين لا يكون لنفسه على نفسه سبيل يوم القيامة . وليعلم كل إنسان أن كل ما يستمتع به هو من فيوضات الحق الأعلى الذي أعطى الإنسان قدرة من باطن قوته - سبحانه - وأعطاه غِنًى من باطن غِنَاه - سبحانه - وأعطاه حكمة من باطن حكمته - سبحانه - وأعطاه قبضاً وبسطاً من باطن قدرته - سبحانه - وكذلك أعطى لعبيده من كل صفة بعضاً من فَيْضها ، ثم تظل الفيوضات للحق - سبحانه وتعالى . وحين يشاء فهو يسلب كل الفيوضات ويعود الأمر إليه ، لأن الأمر كله له سبحانه . فإنْ حُدِّثتَ في القرآن بأمر تغيب عنك مقدماتُه ، فاعلمْ أن الذي أنزل هذا الكتاب لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض . ولذلك كان الرسول صلى الله عليه وسلم على ثقة أن الحق - سبحانه - حين أمره أن يتوعد أعداء الدين فهو يُطمئنه أن المرجع في كل الأمور إليه - سبحانه . واطمأن الرسول صلى الله عليه وسلم والذين معه أن أعداء الدين إنْ لم يُجازَوْا في الدنيا ، فغداً ترجع الأمور كلها إلى الله ، وإن كان الحق قد مَلَّكهم أشياء فسيسلُبهم هذه الملكية في الآخرة ، وإنْ كان قد أعطاهم الخِيَار في الدنيا خِيَار أنْ يؤمنوا ويطيعوا ، أو أنْ يكفروا ويعصوا فهذا الاختيار سيزول عنهم في الآخرة ، وكل مالك لمُلْك يصير مُلْكه بعده إلى الله . وما دام الأمرُ كذلك فلنعبد الله وحده - سبحانه - لأنه صاحبُ الأمر فيما مضى وله الأمر الآن وله الأمر فيما يأتي . وهو - سبحانه - الذي شاء ، فجعل للإنسان ثلاثةَ أزمان : زمان سَبقَ وجود آدم وزمان من بعد آدم إلى وجود أيٍّ منا ثم زمان مستقبل إلى ما لا نهاية وبذلك يكون لكل منا زمان ماضٍ وزمان حاضر وزمان مستقبل ، وكل منا يدور في فلك الأحداث . ومن المنطقي بعد أن تستمتع بوجودك في الحياة وتنضج عقلياً أن تتساءل عن ماضيك ، وتاريخ الجنس البشري . وأنت - في هذه الحالة - تكون رَهْناً بثقة المحدِّث : هل يقول الصدق أم يقول الكذب ؟ خُصوصاً إذا كان الحديث عن تاريخ ما قبل آدم ، ولا بد أنْ تقول لنفسك : لا يمكن أن يُحدِّثني عن ذلك إلا مَنْ خلقني . وساعة يُبلِّغُكَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بداية الخلق قائلاً : " كان الله ، ولم يكُنْ شيء غيره " . ومعنى ذلك أن الصادق الوحيد الذي يمكن أن نقبل منه كلاماً عمَّا فاتَ قبل آدم هو الله - سبحانه وتعالى . وإنْ سألتَ : لماذا وُجِدتُ في زمني هذا ، ولم أوجد في زمن آخر ؟ هنا ستقول لنفسك إنْ كنت مؤمناً : " إن مشيئة وإرادة مَنْ أوجدني هي التي رجَّحتْ وجودي في هذا الزمن عن أي زمن آخر " . ولا بد أن تسأل نفسك : وما المطلوب مني ؟ وستجد أن المطلوب منك هو حركة الحياة لأن تلك الحركة هي الفاصل بين الحياة والموت ، والحق يقول : { هُوَ أَنشَأَكُمْ مِّنَ ٱلأَرْضِ وَٱسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا … } [ هود : 61 ] . فقد أعطاك الحق - سبحانه - العقل لتفكر ، وأعطاك الطاقة لتفعل ، وسخَّر لك الكون بالمطمور فيه من الرزق لتستخرجه وتتعيش منه . وهكذا يتضح لك أن كل شيء يحتاج منك أن تتحرك ، وأنت في حركتك تحتاج لطاقة تأخذها من الأعلى منك وتعطي للأدنى منك لذلك أنت تأخذ طاقة من الأعلى منك ، وتُعطي للأدنى منك . وأنت تعلم أن قمة المطلوب منك أن تُصلي بين يدي الله خمس مرات كل يوم لتشحن طاقتك وتخرج للحياة بعد أن تُجدِّد ولاءك لمن خلقك وخلق الأكوان كلها ، وإنْ أحسنتَ الوقوف بين يدي الله سيأتي مستقبلك مبنياً على هذا الإحسان . والحق - سبحانه - يعطينا مثلاً لهاتين الحركتين ، فيقول : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ ٱلْجُمُعَةِ فَٱسْعَوْاْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ وَذَرُواْ ٱلْبَيْعَ … } [ الجمعة : 9 ] . هذه حركة يأخذ فيها الإنسان طاقة من الأعلى ، فالسعي إلى ذكر الله وترك البيع من أجل ذلك يعطي الإنسان طاقة إيمانية ، يظهر أثرها في الحركة الثانية من حركات الإنسان . ولذلك يقول الحق - سبحانه - بعد هذا : { فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلاَةُ فَٱنتَشِرُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَٱبْتَغُواْ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [ الجمعة : 10 ] . ولذلك يقول الحق - سبحانه - في هذه الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها : { فَٱعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } [ هود : 123 ] . أي : أطِع الله في أمره لأنه - سبحانه - الأعلى منك ، بأن تؤدي المطلوب العبادي من : صلاة ، وزكاة ، وصيام ، وحج إنِ استطعتَ لذلك سبيلاً ، لتأخذ من المدد الأعلى ما يعينك في حركتك الثانية التي تتحركها في الكون . ومن العجيب أن حركتك في الكون الأدنى تُعينك على حركتك لاستمداد الطاقة من مُكوِّن الكون - سبحانه . فأنت حين تصلي تحتاج لِسَتْر عورتك بثوب ، وحتى تأتي بالثوب لا بد لك من أن تعتمد على حركة الفلاح في الزراعة ، وحركة العامل في النَسْج ، وحركة التاجر في البيع ، وحركتك في عملك الذي يتيح لك أجراً تشتري منه الثوب . وبذلك تكون قد أخذتَ كل علوم الحياة لكي تذهب للصلاة لتأخذ المدد من المدد الأعلى . وهكذا تجد أنك في حركة دائرة تأخذ المدد من الأعلى لتعطي الكون الأدنى ، وتأخذ من الأدنى ما يتيح لك الوقوف بين يدي صاحب المدد الأعلى . وبهذا يثبت لك أن الحركة في الحياة الحاضرة لكل إنسان بالنسبة لعمره في الحياة ، هي استقبال من المدد الأعلى ، وانفعال مع المدد الأدنى ، وكل منهما يعين على الآخر لذلك فعليك أن تعبد الله بأن تنظِّم حركة حياتك على ضوء منهجه - سبحانه . واعلم أنه ستصادفك المصاعب فإن صادفتك فتوكل على الله ، وتلك فائدة من فوائد استمرار ولائك لله الذي تأخذ منه المدد . ولذلك " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر قام إلى الصلاة " . ومعنى " حزبه " أي خرج عن أسبابه ، لذلك فهو يذهب إلى المسبب الأعلى ، فإنْ عبدتَ الله وتوكلتَ عليه فهو يعينك لأنه - سبحانه لا يغفل عما نعمل . وهذه الآية تدلُّك على السعادة في الحاضر والمستقبل لأنك إن كنت ترعى الله فسبحانه يكتب لك الحسنة بعشر أمثالها ، وقد يضاعف عن ذلك ، وتُكتب السيئة بمثلها . وبذلك تكون هذه الآية قد استوعبت وانتظمت حال الإنسان : قبل حياته ، وحاضر حياته ، ومستقبل حياته إلى أن تقوم الساعة . يقول الحق - سبحانه : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱسْتَجِيبُواْ للَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ … } [ الأنفال : 24 ] . فدعوة الله بالطاعة ، ودعوة الرسول بالسلوك السَّويّ يعطي للمؤمن حياة الحياة ، وهي حياة تعيش في معية الله .