Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 14-14)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

والخطاب هنا موجَّه إلى الذين ادَّعوا أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد افترى القرآن ، أو أن الخطاب مُوجَّه لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأن الحق سبحانه وتعالى قال في الآية السابقة : { قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَٱدْعُواْ مَنِ ٱسْتَطَعْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ … } [ هود : 13 - 14 ] . أي : إن لم يردُّوا على التحدي ، فليعلموا وليتيقَّنوا أن هذا القرآن هو من عند الله تعالى ، بشهادة الخصوم منهم . ولماذا عدَّل الحق سبحانه هنا الخطاب ، وقال : { فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ … } [ هود : 14 ] . أي : من تدعونهم ، ثم قال سبحانه : { فَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّمَآ أُنزِلَ بِعِلْمِ ٱللَّهِ … } [ هود : 14 ] . وقد قال الحق سبحانه ذلك لأن الرسول صلى الله عليه وسلم مُطالَبٌ بالبلاغ وما بلغه الرسول صلى الله عليه وسلم للمؤمنين مطلوب منه أن يُبلغوه ، وإنْ لم يستجيبوا للرسول صلى الله عليه وسلم أو للمؤمنين ، ولم يأتِ أحد مع مَنْ يتهم القرآن بأنه مُفترًى مِن محمدٍ . وقد يكون هؤلاء الموهوبون خائفين من التحدي لأنهم عرفوا أن القرآن حق ، وإن جاءوا ليفتروا مثله فلن يستطيعوا ، ولذلك فاعلموا - يا مَنْ لا تؤمنون بالقرآن - أن القرآن : { أَنَّمَآ أُنزِلَ بِعِلْمِ ٱللَّهِ … } [ هود : 14 ] . إذن : فالخطاب يكون مرَّة - موجَّهاً للنبي صلى الله عليه وسلم ولأمته . ولذلك عَدَلَ الحق سبحانه عن ضمير الإفراد إلى ضمير الجمع في قوله تعالى : { فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ فَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّمَآ أُنزِلَ بِعِلْمِ ٱللَّهِ … } [ هود : 14 ] . أي : ازدادوا علماً أيها المؤمنون بأن القرآن إنما نزل من عند الله . والعِلْم - كما نعلم - مراحل ثلاث : علم يقين ، وعين يقين ، وحق يقين . أو أن الخطاب مُوجَّه للكافرين الذين طلب القرآن منهم أن يَدْعُوا من يستطيعون دعاءه ليعاونهم في معارضة القرآن : { فَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّمَآ أُنزِلَ بِعِلْمِ ٱللَّهِ … } [ هود : 14 ] . وأعلى مراتب العِلْم عند الحق سبحانه الذي يعلم كل العلم أزلاً ، وهو غير علمنا نحن ، الذَي يتغير حسب ما يتيح لنا الله سبحانه أن نعلم ، فأنت قد تكون عالماً بشيءٍ وتجهل أشياء ، أوعلمتَ شيئاً وغابتْ عنك أشياء . ولذلك تجد الأطباء ، وأصحاب الصناعات الدقيقة وغيرهم من الباحثين والعلماء يستدرك بعضهم البعض ، فحين يذهب مريض لطبيب مثلاً ويصف له دواءً لا يستجيب له ، فيذهب المريض إلى طبيب آخر ، فيستدرك على الطبيب الأول ، فيصف دواء ، وقد لا يستجيب له المريض مرة ثانية ، وهنا يجتمع الأطباء على هيئة " مجمع طبي " يُقرّر ما يصلح أو لا يصلح للمريض . ويستدرك كلٌّ منهم على الآخر إلى أن يصلوا إلى قرار ، والذي يستدرك هو الأعلم لأن الطبيب الأول كتب الدواء الذي أرهق المريض أو لم يَستجبْ له ، وهو قد حكم بما عنده من عِلْم ، كذلك بقية الباحثين والعلماء . وما دام فوق كل ذي علمٍ عليمٌ فالطبيب الثاني يستدرك على الطبيب الأول … وهكذا . ولكن أيوجد أحدٌ يستدرك على الله سبحانه وتعالى ؟ لا يوجد . وما دام القرآن الكريم قد جاء بعلم الله تعالى ، فلا علم لبشر يمكن أن يأتي بمثل هذا القرآن . { فَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّمَآ أُنزِلَ بِعِلْمِ ٱللَّهِ وَأَن لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ … } [ هود : 14 ] . وجاء الحق سبحانه هنا بأنه لا إله إلا هو حتى لا يدَّعي أحدٌ أن هناك إلهاً آخر غير الله . وذكر الله سبحانه هنا أن هذا القرآن قد نزل في دائرة : { لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ … } [ هود : 14 ] . وما دام الحق سبحانه قد حكم بذلك فلنثق بهذا الحكم . مثال ذلك : هو حكم الحق سبحانه على أبي لهب وعلى امرأته بأنهما سيدخلان النار فهل كان من الممكن أن يعلن أبو لهب إسلامه ، ولو نفاقاً ؟ طبعاً لا لأن الذي خلقَه علم كيف يتصرف أبو لهب . لذلك نجد بعد سورة المسد التي قررت دخول أبي لهب النار ، قول الحق سبحانه : { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } [ الإخلاص : 1 ] . أي : أن الحق سبحانه ما دام قد أصدر حكمه بأن أبا لهب سيدخل وزوجه النار ، فلن يقدر أحد على أن يُغيِّر من حكمه سبحانه ، فلا إله إلا هو . ويُنهي الحق سبحانه الآية الكريمة بقوله تعالى : { … فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ } [ هود : 14 ] . وهذا استفهام ، أي : طلب للفهم ، ولكن ليس كل استفهام طلباً للفهم ، فهذا الاستفهام هنا صادر عن إرادة حقيقية قادرة على فرض الإسلام على من يستفهم منهم . ولكنه سبحانه شاء أن يأتي هذا الاستفهام على لسان رسوله ليقابله جواب ، ولو لم يكن السائل واثقاً أنه لا يوجد إلا الإسلام لما قالها ، ولو لم يكن السائل واثقاً أنه لا جواب إلا أن يُسْلِم السامع ، ما جعل جواب السامع حجة على السامع . وقائل هذا الكلام هو الخالق سبحانه ، ولله المثل الأعلى ، وهو سبحانه مُنزَّه عن كل مثل ، تجد إنساناً يحكي لك أمراً بتفاصيله ، ثم يسألك : هل أنا صادق فيما قلت لك ؟ … وهو يأتي بهذا الاستفهام لأنه واثق من أنك ستقول له : نعم ، أنت صادق . وإذا نظرنا في آية تحريم الخمر والميسر - على سبيل المثال - نجد الحق سبحانه وتعالى يقول : { إِنَّمَا يُرِيدُ ٱلشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَآءَ فِي ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَعَنِ ٱلصَّلاَةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ } [ المائدة : 91 ] . وكأن هذا الاستفهام يحمل صيغة الأمر بأن : انتهوا من الخمر والميسر ، واخجلوا مما تفعلون . إذن : فقول الحق سبحانه في آخر الآية الكريمة : { … فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ } [ هود : 14 ] يعني : أسلموا ، واتركوا اللجاجة بأن القرآن قد جاء من عند محمد ، أو أنه افتراه ، بل هو من عند الله سبحانه الذي لا إله إلا هو . ويقول الحق سبحانه بعد ذلك : { مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا … } .