Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 19-19)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وهنا يحدثنا القرآن عن هؤلاء الذين كفروا بالله وآياته ورسوله صلى الله عليه وسلم ، ولم يكتفوا بكفرهم ، بل تمادوا وأرادوا أن يصدوا غيرهم عن الإيمان . وبذلك تعدَّوا في الجريمة ، فبعد أن أجرموا في ذواتهم أرادوا لغيرهم أن يُجرم . وسبق أن أنزل الحق سبحانه خطاباً خاصّاً بأهل الكتاب ، الذين سبق لهم الإيمان برسول سابق على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكن أعماهم الطمع في السلطة الزمنية فطمسوا الآيات المبشرة برسول الله في كتبهم ، وهم بذلك إنما صدُّوا عن سبيل الله ، وأرادوا أن تسير الحياة معوجَّة . يقول الحق سبحانه : { قُلْ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجاً وَأَنْتُمْ شُهَدَآءُ وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } [ آل عمران : 99 ] . وقد أرسل الحق سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم ليعدل المُعوجَّ من أمور المنهج . والعوج هو عدم الاستقامة والسوائية ، وقد يكون في القيم ، وهي ما قد خفي من المعنويات ، فتقول : أخلاق فلان فيها عوج ، وأمانة فلان فيها عوج . ويقول الحق سبحانه : { ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي أَنْزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ ٱلْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا } [ الكهف : 1 ] . وهنا في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها يقول الله سبحانه : { وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً … } [ هود : 19 ] . أما في الأمور المحسة فلا يقال : " عِوَج " ، بل يقال : " عَوَج " ، فأنت إذا رأيت شيئاً معوجاً في الأمور المحسة تقَول : عَوَج . لكننا نقرأ في القرآن قول الحق سبحانه : { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً * فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً * لاَّ تَرَىٰ فِيهَا عِوَجاً وَلاۤ أَمْتاً } [ طه : 105 - 107 ] . وقد أوردها الحق سبحانه هنا بهذا الشكل لدقة الأداء القرآني لأن هناك عوجاً حسياً يحسه الإنسان ، مثلما يسير الإنسان في الصحراء فيجد الطريق منبسطاً ثم يرتفع إلى ربوة ثم ينبسط مرة أخرى ، ثم يقف في الطريق جبل ، ثم ينزل إلى وادٍ ، وأي إنسان يرى مثل هذا الطريق يجد فيه عوجاً . أما إذا كنت ترى الأرض مبسوطة مسطوحة كالأرض الزراعية ، فقد تظن أنها أرض مستوية ، ولكنها ليست كذلك بدليل أن الفلاح حين يغمر الأرض بالمياه ، يجد بقعة من الأرض قد غرقت بالماء ، وقطعة أخرى من نفس الأرض لهم تمسها المياه ، وبذلك نعرف أن الأرض فيها عوج لحظة أن جاء الماء ، والماء - كما نعلم - هو ميزان كل الأشياء المسطوحة . ولذلك حين نريد أن نحكم استواء جدار أو أرض ، فنحن نأتي بميزان الماء لأنه يمنع حدوث أي عوج مهما بلغ هذا العوج من اللطف والدقة التي قد لا تراها العين المجردة . وفي يوم القيامة يأتي أصحاب العوج في العقيدة ، ويصورهم الحق سبحانه في قوله : { يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ ٱلدَّاعِيَ لاَ عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ ٱلأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَـٰنِ فَلاَ تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً } [ طه : 108 ] . هم - إذن - يصطفُّون بلا اعوجاج ، كما يصطف المجرمون تبعاً لأوامر من يقودهم إلى السجن ، في ذلة وصَغَار ولا ينطقون إلا همساً . وهنا يقول الحق سبحانه : { ٱلَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ } [ هود : 19 ] . والسبب في صَدِّهم عن سبيل الله أنهم يريدون الحال مُعْوجاً ومائلاً ، وأن يُنفِّروا الناس من الإيمان ليضمنوا لأنفسهم السلطة الزمنية ويفسدون في الأرض لأن مجيء الإصلاح بالإيمان أمر يزعجهم تماماً ، ويسلب منهم ما ينتفعون به بالفساد . ويقول الحق سبحانه بعد ذلك : { أُولَـٰئِكَ لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ فِي ٱلأَرْضِ … } .