Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 20-20)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
والإعجاز هو الامتناع ، وأعجزت فلاناً ، أي : برهنت على أنه ممتنع عن الأمر وغير قادر عليه . وقد تجلَّى الإعجاز - على سبيل المثال - في عجز هؤلاء الذين أنكروا أن القرآن معجزة أن يأتي بآية من مثله . والمعجز في الأرض هو من لا تقدر عليه . ويبيِّن لنا الحق سبحانه في هذه الآية أن هؤلاء الكافرين لا يُعجزون الله في الأرض ، بدليل أن هناك نماذج من أمم قد سبقت وكفرت ، فمنهم من أخذته الريح ، ومنهم من خسف الله بهم الأرض ، ومنهم من غرق ، وإذا انتقلوا إلى الآخرة فليس لهم ولي أو نصير من دون الله لأن الولي هو القريب منك ، ولا يقرب منك إلا من تحبه ، ومن ترجو خيره . فإذا قَرُب منك إنسان له مواهب فوق مواهبك ، نضح عليك من مواهبه ، وإذا كان من يقرب منك قوياً وأنت ضعيف ، ففي قوته سياج لك ، وإن كان غنياً ، فغناه ينضح عليك ، وإن كان عالماً أفادك بعلمه ، وإن كان حليماً أفادك بحلمه لحظة غضبك ، وكل صاحب موهبة تعلو موهبتك وأنت قريب منه ، فسوف يفيدك من موهبته . والولي هو النصير أيضاً لأنك أول ما تستصرخ سيأتي لك القريب منك . وهؤلاء الذين يصدُّون عن سبيل الله لن يجدوا وليّاً ولا نصيراً في الآخرة - وإن وجدوه في الدنيا - لأن كل إنسان في الآخرة سيكون مشغولاً بنفسه : { يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّآ أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ وَلَـٰكِنَّ عَذَابَ ٱللَّهِ شَدِيدٌ } [ الحج : 2 ] . ويقول الحق سبحانه : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ وَٱخْشَوْاْ يَوْماً لاَّ يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلاَ مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئاً … } [ لقمان : 33 ] . وكذلك يقول الحق سبحانه : { يَوْمَ يَفِرُّ ٱلْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَٰحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ } [ عبس : 34 - 37 ] . إذن : فهؤلاء الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله لا يُعجزون الله في الأرض ، ولا يجدون الولي أو النصير في الآخرة ، بل : { يُضَاعَفُ لَهُمُ ٱلْعَذَابُ … } [ هود : 20 ] . ونحن نفهم الضِّعْفَ على أنه الشيء يصير مرتين ، ونظن أن في ذلك قوة ، ونقول : لا لأن الذي يأتي ليسند الشيء الأول ويشفع له ، كان الأول بالنسبة له ضعيف . إذن : فالمُضَاعفة هي التي تظهر ضعف الشيء الذي يحتاج إلى ما يدعمه . ومُضَاعفة العذاب أمر منطقي لهؤلاء الذين أرادوا الأمر عوجاً ، وصدوا عن سبيل الله تعالى ، وأرادوا بذلك إضلال غيرهم . وقول الحق سبحانه : { يُضَاعَفُ لَهُمُ ٱلْعَذَابُ … } [ هود : 20 ] . لا يتناقض مع قوله الحق : { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ … } [ الأنعام : 164 ] . لأن هؤلاء الذين صدوا عن سبيل الله ليس لهم وزر واحد ، بل لهم وِزْران : وزر الضلال في ذواتهم ، ووزر الإضلال لغيرهم . وهناك آية تقول : { وَٱلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ ٱلْعَذَابُ … } [ الفرقان : 68 - 69 ] . أي : أن مَنْ يفعل ذلك يَلْقَ مضاعفة للعذاب … لماذا ؟ لأنه كان أسوة لغيره في أن يرتكب نفس الجرم . والحق سبحانه وتعالى لا يريد للذنوب أن تنتشر ، ولذلك نجد الحق سبحانه وتعالى يحض على أن يرى المؤمنون من ارتكب الجُرْم لحظةَ العقاب ، مثلما يقول سبحانه في الزنا : { … وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٌ مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [ النور : 2 ] . وحين يرى المؤمنون وقوع العقوبة على جريمة ما ، ففي ذلك تحذير من ارتكاب الجُرْم ، وحدّ من وقوع الجرائم . وهنا في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها يضاعف العذاب لأولئك الذين صَدُّوا عن سبيل الله ، وأرادوا إضلال غيرهم ، فارتكبوا جريمتين : أولاهما : ضلالهم . والثانية : إضلالهم لغيرهم . ولذلك تجد بعضاً من الذين أضلُّوا يقولون يوم القيامة : { … رَبَّنَآ أَرِنَا ٱلَّذَيْنِ أَضَلاَّنَا مِنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ ٱلأَسْفَلِينَ } [ فصلت : 29 ] . ويقولون أيضاً : { … رَبَّنَآ إِنَّآ أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَآءَنَا فَأَضَلُّونَا ٱلسَّبِيلاْ * رَبَّنَآ آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ ٱلْعَذَابِ وَٱلْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً } [ الأحزاب : 67 - 68 ] . إذن : فالدعوة إلى الانحراف إضلال ، وعمل الشيء بالانحراف إضلال لأنه أسوة أمام الغير . ومضاعفة العذاب لا تعني الإحراق مرة واحدة في النار لأن الحق سبحانه لو تركنا للنار لتحرقنا مرة واحدة لانتهى الإيلام ولذلك أراد الحق سبحانه أن يكون هناك عذاب بعد عذاب . يقول الحق سبحانه : { كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ … } [ النساء : 56 ] . فهو عذاب على الدوام . أو أن العذاب الذي يضاعف له لون آخر ، فهناك عذاب للكفر ، وهناك عذاب للإفساد . يقول الحق سبحانه : { … زِدْنَاهُمْ عَذَاباً فَوْقَ ٱلْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يُفْسِدُونَ } [ النحل : 88 ] . فالعذاب على الكفر لا يلغي العذاب على المعاصي التي يرتكبها الكافر . فإذا كانت الشاة القرناء يُقتصُّ للشاة الجلحاء منها ، أي : أن الشاة التي لها قرون وتنطح الشاة التي لا قرون لها ، فيوم القيامة يتم القصاص منها ، رغم أنه لا حساب للحيوانات لأنها لا تملك الاختيار ، ولكنها سوف تُستخدم كوسيلة إيضاح لميزان العدالة . ويقول الحق سبحانه : { … يُضَاعَفُ لَهُمُ ٱلْعَذَابُ مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ ٱلسَّمْعَ وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ } [ هود : 20 ] . أي : ما كانوا يستطيعون الاستفادة من السمع رغم وجود آلة السمع ، فلم يستمعوا لبلاغ الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولا استطاعوا الاستفادة من أبصارهم ليروا آيات الله سبحانه وتعالى في الكون ، فكأنهم صُمٌّ عُمْيٌ ، أو يضاعف لهم العذاب مدة استطاعتهم السمع والإبصار . وفي آية أخرى يقول الحق سبحانه : { أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ … } [ مريم : 38 ] . أي : أن سمعهم وأبصارهم ستكون سليمة وجيدة في الآخرة . ويقول الحق سبحانه بعد ذلك : { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ … } .