Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 23-23)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الإيمان - كما نعلم - أمر عقدي ، يعلن فيه الإنسان إيمانه بإله واحد موجود ، ويلتزم بالمنهج الذي أنزله الله سبحانه وتعالى على الرسول صلى الله عليه وسلم ، ومن آمن بالله تعالى ولم يعمل العمل الصالح يتلقَّ العقاب لأن فائدة الإيمان إنما تتحقق بالعمل الصالح . لذلك نجد الحق سبحانه وتعالى يقول لنا : { قَالَتِ ٱلأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَـٰكِن قُولُوۤاْ أَسْلَمْنَا … } [ الحجرات : 14 ] . أي : اتبعتم ظاهر الإسلام . وهكذا نعرف أنه يوجد مُتيقِّن بصحة واعتقاد بأن الإله الواحد الأحد موجود ، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم مُبلِّغ عن الله عز وجل لكن العمل الذي يقوم به الإنسان هو الفيصل بين مرتبة المؤمن ، ومرتبة المعلم . فالذي يُحسن العمل هو مؤمن ، أما من يؤدي العمل بتكاسل واتِّباع لظواهر الدين ، فهو المسلم ، وكلاهما يختلف عن المنافق الذي يدَّعي الحماس إلى أداء العبادات ، لكنه يمكر ويبيِّت العداء للإسلام الذي لا يؤمن به . وكان المنافقون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أسبق الناس إلى صفوف الصلاة ، وكانوا مع هذا يكتمون الكيد ويدبرون المؤامرات ضد النبي صلى الله عليه وسلم . وهنا يقول الحق سبحانه وتعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوۤاْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ … } [ هود : 23 ] . هذا القول يبيِّن لنا أن معيار الإيمان إنما يعتمد على التوحيد ، وإتقان أداء ما يتطلبه منهج الله سبحانه ، وأن يكون كل ذلك بإخبات وخضوع ، ولذلك يقال : رُبَّ معصية أورثت ذلاً وانكساراً ، خير من عبادة أورثت عزّاً واستكباراً . أي : أن المؤمن عليه ألا يأخذ العبادة وسيلة للاستكبار . وكلمة { وَأَخْبَتُوۤاْ } أي : خضعوا خشية لله تعالى ، فهم لا يؤدون فروض الإيمان لمجرد رغبتهم في ألاَّ يعاقبهم الله ، لا بل يؤدون فروض الإيمان والعمل الصالح خشية لله . وأصل الكلمة من " الخبت " وهي الأرض السهلة المطمئنة المتواضعة ، وكذلك الخبت في الإيمان . ويصف الحق سبحانه أهل الإيمان المخبتين بأنهم : { … أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } [ هود : 23 ] . أي : الملازمون لها ، وخلودهم في الجنة يعني أنهم يقيمون في النعيم أبداً ، ونعيم الجنة مقيم ودائم ، على عكس نعيم الدنيا الذي قد يفوته الإنسان بالموت ، أو يفوت النعيم الإنسان بالسلب لأن الإنسان في الدنيا عرضة للأغيار ، أما في الآخرة ، فأهل الإيمان أصحاب العمل الصالح المخبتون لربهم ، فهم أهل النعيم المقيم أبداً . وهكذا عرض الحق سبحانه حال الفريقين : الفريق الذي ظلم نفسه بافتراء الكذب وعلى الله ، وصدوا عن سبيل الله ، وابتغوا الأمر عوجاً ، هؤلاء لن يُعجزوا الله ، وليس لهم أولياء يحمونهم من العذاب المضاعف . وهم الذين خسروا أنفسهم ، ولن يجدوا عوناً من الآلهة التي عبدوها من دون الله ، ولا شيء بقادر على أن يفصل بينهم وبين العذاب ، وهم الأخسرون . أما الفريق الثاني فهم الذين آمنوا وعملوا الأعمال الصالحة بخشوع وخشية ومحبة لله سبحانه وتعالى ، وهم أصحاب الجنة الخالدون فيها . إذن : فلكل فريق مسلكه وغايته . لذلك يقول الحق سبحانه بعد ذلك : { مَثَلُ ٱلْفَرِيقَيْنِ كَٱلأَعْمَىٰ وَٱلأَصَمِّ … } .