Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 24-24)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
والفريقان هما من تحدثنا عنهما من قبل . وكلمة " الفريق " تعني : جماعة يلتقون عند غاية وهدف واحد ، مثلما نقول : فريق كرة القدم أو غيره من الفرق ، فهي جماعات ، وكل جماعة منها لها هدف يجمعها . ونحن نجد الحق سبحانه وتعالى يقول : { … فَرِيقٌ فِي ٱلْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي ٱلسَّعِيرِ } [ الشورى : 7 ] . وكلمة { ٱلْفَرِيقَيْنِ } جاءت في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها لأن كل فرقة تضم جماعة مختلفة عن الجماعة الأخرى ، ولهؤلاء متعصبون ، وللآخرين متعصبون . ويضرب الحق سبحانه وتعالى في هذه الآية المثل بسَيِّدَي الحواس الإدراكية في الإنسان ، وهما السمع والبصر ، فهما المصدران الأساسيان عند الإنسان لأخذ المعلومات ، إما مسموعة ، أو مرئية ، ثم تتكون لدى الإنسان قدرة الاستنباط والتوليد مما سمعه بالأذن ورآه بالعين . ولذلك قال لنا الحق سبحانه : { وَٱللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلْسَّمْعَ وَٱلأَبْصَارَ وَٱلأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [ النحل : 78 ] . إذن : فما دام الحق سبحانه قد جعل السمع والأبصار والأفئدة مصادر تأتي منها ثمرة ، هي المعلومات وتمحيصها ، فالحق سبحانه يستحق الشكر عليها . ونحن نعلم أن الطفرات الحضارية وارتقاءات العلم ، إنما تأتي بمن سمع ومن رأى ، ثم جاءت من الاستنباط أفكار تطبيقية تفيد البشرية . ومثال ذلك : هو من رأى إناء طعام وله غطاء ، وكان بالإناء ماء يغلي ، فارتفع الغطاء عن الإناء . هذا الإنسان اكتشف طاقة البخار ، واستنبط أن البخار يحتاج حيِّزاً أكبر من حيز السائل الموجود في الإناء لذلك ارتفع الغطاء عن الإناء ، وارتقى هذا الاكتشاف ليطور كثيراً من أوجه الحياة . ولو أن كل إنسان وقف عند ما يسمعه أو يراه ولم يستنبط منه شيئاً لما تطورت الحياة بكل تلك الارتقاءات الحضارية . وهنا يقول الحق سبحانه : { مَثَلُ ٱلْفَرِيقَيْنِ كَٱلأَعْمَىٰ وَٱلأَصَمِّ وَٱلْبَصِيرِ وَٱلسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً … } [ هود : 24 ] . ولن يشك كل من الأعمى أو الأصم أن من يرى أو من يسمع هو خير منه ، ولا يمكن أن يستوي الأعمى بالبصير ، أو الأصم بمن يسمع . وهكذا جاء الحق سبحانه وتعالى بالأشياء المتناقضة ، ليحكم الإنسان السامع أو القارىء لهذه الآية ، وليفصل بحكم يُذكِّره بالفارق بين الذي يرى ومن هو أعمى ، وكذلك بين من يسمع ومن هو أصم ، ومن الطبيعي ألا يستويان . لذلك يُنهي الحق سبحانه الآية بقوله تعالى : { أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ } أي : ألا تعتبرون بوجود هذه الأشياء . ونحن نعلم أن الله سبحانه وتعالى قد قال لنا : { … فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى ٱلأَبْصَارُ وَلَـٰكِن تَعْمَىٰ ٱلْقُلُوبُ ٱلَّتِي فِي ٱلصُّدُورِ } [ الحج : 46 ] . أي : أن الإنسان قد يكون مبصراً ، أو له أذن تسمع ، لكنه لا يستخدم حاسة الإبصار أو حاسة السمع فيما خلقت من أجله في التقاط مجاهيل الأشياء . وبعد أن بيَّن الحق سبحانه وَصْفَ كل طرف وصراعه مع الآخر ، واختلاف كل منهما في الغاية ، والصراع الذي بينهما تشرحه قصص الرسل عليهم السلام . ويقول الحق سبحانه في بعض من مواضع القرآن الكريم ، وفي كل موضع لقطات من قصة أي رسول ، واللقطة التي توجد في سورة قد تختلف عن اللقطة التي في سورة أخرى . ومثال ذلك : أن الحق سبحانه قد تكلم في سورة يونس عن نوح وموسى وهارون ويونس عليهم السلام ، وهنا - في سورة هود - تأتي مرة أخرى قصة نوح عليه السلام ، فيقول سبحانه وتعالى : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ … } .