Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 29-29)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ومثل هذا القول بمعناه جاء مع كل رسول ، ففي مواضع أخرى يقول الحق سبحانه : { قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً … } [ الأنعام : 90 ] . لأن العِوَض في التبادل قد لا يكون مالاً ، بل قد يكون تمراً ، أو شعيراً أو قطناً أو غير ذلك ، والأجر - كما نعلم - هو أعم من أن يكون مالاً أو غير مال لذلك يقول الحق سبحانه هنا : { لاۤ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ … } [ هود : 29 ] . وهكذا نجد أن الحق سبحانه قد أغْلَى الأمر . وقول الرسول : { إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ … } [ هود : 29 ] . هو قول يدل على أن الأمر الذي جاء به الرسول هو أمر نافع لأن الأجرة لا تستحق إلا مقابل المنفعة . ونحن نعلم أن مبادلة الشيء بعينه أو ما يساويه تُسمَّى شراء ، أما أن يأخذ الإنسان المنفعة من العين ، وتظل العين ملكاً لصاحبها ، فمن يأخذ هذه المنفعة يدفع عنها إيجاراً ، فكأن نوحاً عليه السلام يقول : لقد كنت أستحق أجراً لأنني أقدِّم لكم منفعة ، لكنني لن آخذ منكم شيئاً ، لا زُهْداً في الأجر ، ولكني أطمع في الأجر ممن هو أفضل منكم وأعظم وأكبر . ولأن هذا الملأ الكافر قد وصف من اتبع نوحاً بأنهم أراذل لذلك يأتي الرد من نوح عليه السلام : { وَمَآ أَنَاْ بِطَارِدِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ … } [ هود : 29 ] . ويوضح هذا الرد أن نوحاً عليه السلام لا يمكن أن يطرد إنساناً من حظيرة الإيمان لأنه فقير ، فاليقين الإيماني لا علاقة له بالثروة أو الجاه أو الفقر والحاجة . ولا يُخْلِي رسولٌ مكاناً من أتباعه الفقراء ليأتي الأغنياء ، بل الكلُّ سواسية أمام الله سبحانه وتعالى . والحق سبحانه يقول : { وَلاَ تَطْرُدِ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ } [ الأنعام : 52 ] . وقد جعل الحق سبحانه هؤلاء الذين يطلق عليهم كلمة " أراذل " فتنة ، فمن تكبَّر بسبب فقر وضعف أتباع الرسل ، فليغرق في كِبْره . لذلك يقول الحق سبحانه : { وَكَذٰلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِّيَقُولوۤاْ أَهَـٰؤُلاۤءِ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَآ أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِأَعْلَمَ بِٱلشَّاكِرِينَ } [ الأنعام : 53 ] . وأيضا يأمر الحق سبحانه رسوله بأن يضع عينه على هؤلاء الضعاف ، وألا ينصرف عنهم أو عن أي واحد منهم ، فيقول الحق سبحانه : { وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ … } [ الكهف : 28 ] . جاء هذا القول حتى لا ينشأ فساد أو عداء بين المؤمنين برسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا يقال : " فلان مُقَرَّبٌ منه " ولذلك كان صلى الله عليه وسلم إذا جلس يوزع نظره على كل جلسائه ، حتى يظن كل جالس أن نظره لا يتحول عنه . وفي هذه الآية الكريمة التي نحن بصدد خواطرنا عنها يقول الحق سبحانه وتعالى على لسان سيدنا نوح - عليه السلام - وصفاً لهؤلاء الضعاف الذين آمنوا : { إِنَّهُمْ مُّلاَقُواْ رَبِّهِمْ … } [ هود : 29 ] . وفي هذا بيانٌ أن نوحاً - عليه السلام - لن يطرد هؤلاء الضعاف المؤمنين ، فلو طردهم وهم الذين سيلقون الله تعالى ، أيسمح نوح عليه السلام أن يقال عنه أمام الحق - تبارك وتعالى - إنه قد طرد قوماً آمنوا برسالته ؟ طبعاً لا . ونحن نعلم أن الحق سبحانه يحاسب رسله ، والمرسَل إليهم ، فهو سبحانه القائل : { فَلَنَسْأَلَنَّ ٱلَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ ٱلْمُرْسَلِينَ } [ الأعراف : 6 ] . إذن : فنوح - عليه السلام - يعلم أنه مسئول أمام ربه ، ولكن هذا الملأ الكافر من قومه يجهلون ولذلك يقول الحق سبحانه في نهاية هذه الآية الكريمة على لسان نوح عليه السلام : { … وَلَـٰكِنِّيۤ أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ } [ هود : 29 ] . أي : أنهم لا يفهمون مهمة نوح عليه السلام ، وأنه مسئول أمام ربه . ويقول الحق سبحانه من بعد ذلك : { وَيٰقَوْمِ مَن يَنصُرُنِي مِنَ ٱللَّهِ … } .