Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 28-28)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقول نوح عليه السلام : { أَرَأَيْتُمْ } أي : أخبروني إن كنت على بينة موهوبة من الله تعالى ونور وبصيرة وفطرة بالهداية ، وآتاني الحق سبحانه : { رَحْمَةً } أي : رسالة ، بينما خفيت هذه المسألة عنكم ، فهل أجبركم على ذلك ؟ لا لأن الإيمان لا بد أن يأتي طواعية بعد إقناع ملموس ، وانفعال مأنوس ، واختيار بيقين . وحين ننظر في قوله : { … أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ } [ هود : 28 ] . نجد الهمزة الاستفهامية ثم الفعل " نلزم " ثم كاف المخاطبة ، وهنا نكون أمام استفهام ، وفعل ، وفاعل مطمور في الفعل ، ومفعول أول هو كاف المخاطبة ، ومفعول ثان هو الرحمة . إذن : فلا إلزام من الرسول لقومه بأن يؤمنوا لأن الإيمان يحتاج إلى قلوب ، لا قوالب ، وإكراه القوالب لا يزرع الإيمان في القلوب . والحق سبحانه يريد من خلقه قلوباً تخشع ، لا قوالب تخضع ، ولو شاء سبحانه لأرغمهم وأخضعهم كما أخضع الكون كله له ، سبحانه القائل : { أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ ٱلسَّمَآءُ … } [ النازعات : 27 ] . فالحق سبحانه وتعالى أخضع السماء والشمس والقمر ، وكلَّ الكون ، وهو سبحانه يقول لنا : { لَخَلْقُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ أَكْـبَرُ مِنْ خَلْقِ ٱلنَّاسِ … } [ غافر : 57 ] . والكون كله يخضع لمشيئة الله سبحانه وتعالى . وقد خلق الحق سبحانه الملائكة وهم جنس أعلى من البشر ، وقال سبحانه عنهم : { … لاَّ يَعْصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } [ التحريم : 6 ] . إذن : فالحق سبحانه وتعالى لو أراد قوالب لأخضع الخلق كلهم لعبادته ، ولكنه سبحانه وتعالى يريد قلوباً تخشع ولذلك يقول تبارك وتعالى : { لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ * إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ } [ الشعراء : 3 - 4 ] . وهكذا نعلم أن الحق سبحانه مُنَزَّهٌ عن رغبة إخضاع القوالب البشرية ، بل شاء سبحانه أن يجعل الإنسان مختاراً ولذلك لا يُكْرِهُ الله سبحانه أحداً على الإيمان . والدِّين لا يكون بالإكراه ، بل بالطواعية والرضا . والحق سبحانه وتعالى هو القائل : { لاَ إِكْرَاهَ فِي ٱلدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشْدُ مِنَ ٱلْغَيِّ … } [ البقرة : 256 ] . وهكذا يطلب الحق سبحانه من الخلق أن يعرضوا أمر الإيمان على العقل ، فالعقل بالإدراك ينفعل متعجباً لإبداع المبدع ، وعند الإعجاب ينزع إلى اختياره بيقين المؤمن . يقول الحق : { إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَٱخْتِلاَفِ ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } [ آل عمران : 190 ] . والإكراه إنما يكون على أمر غير مُتَبَيَّن ، أما الدِّين فأمر يتبيَّن فيه الرشد لأن المنهج حين يطلب منك ألا تسرق غيرك ، فهو يضمن لك ألا يسرقك الغير ، وحين يأمرك ألا تنظر إلى محارم غيرك ، فهو يحمي محارمك ، وحين يأمرك ألا تغتاب أحداً ، وألا تحقد على أحد ، ففي هذا كله راحة للإنسان . إذن : فما يطلبه المنهج هو كل أمر مريح للإنسان ، وأنت إن نظرت في مطلوبات المنهج فلن تجدها مطلوبة منك وحدك ، ولكن مطلوبة من الناس لك أيضاً . وهو تبادل مراد من الله لإعمار الكون أخذاً وعطاء . ولذلك لا يحتاج مثل هذا الرشد إلى إكراه عليه ، بل تجد فيه البينة واضحة فاصلة بينه وبين الغَيِّ . والآفة أن بعضاً من الناس يستخدمون هذه الآية في غير موضعها ، فحين تطلب من مسلم أن يصلِّي تجده يقول لك : { لاَ إِكْرَاهَ فِي ٱلدِّينِ … } [ البقرة : 256 ] . ولك أن تقول له : لا إكراه في الحَمْل على الدِّين والإيمان به ، لكنك إذا آمنت بالدِّين فإياك أن تكسره ، بتعطيل منهجه أو الإعراض عنه . ولذلك يشدِّد الحق سبحانه عقوبة الخروج من الدين لأن الحق سبحانه لم يُكرِه أحداً على الدخول في الدين ، بل للإنسان أن يفكر ويتدبر لأنه إن دخَل في الدين وارتكب ذنباً فسيلقى عقاب الذنب لأنه دخل برغبته واختاره بيقينه ، فالمخالفة لها عقابها . إذن : فالدخول إلى الإيمان لا إكراه فيه ، ولكن الخروج من الدين يقتضي إقامة الحد على المرتدِّ ومعاقبة العاصي على عصيانه . وعندما يعلم الجميع هذا الأمر فهم يعلمون أن الحق سبحانه وتعالى قد جعل الصعوبة في الدخول إلى الدين عن طريق تصعيب آثار الخروج منه . ويقول الحق سبحانه بعد ذلك على لسان نوح عليه السلام : { وَيٰقَوْمِ لاۤ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً … } .