Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 32-32)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
والجدال هو قول كلام يقابل كلاماً آخر ، والقصد عند كل طرف متكلم أن يزحزح الطرف الآخر عن مذهبه بحجة أو بشبهة ، بهدف إسقاط المذهب . إذن : فالجدال هو مناقشة طرفين ، يتقاسمان الكلام بهدف أن يقنع أحدهما الآخر بأن ينصرف عن مذهبه هو إلى مذهب القائل . وكلمة " الجدال " مأخوذة من " الجَدْل " أي : الفَتْل ، وفتل الحبل إنما يأتي من أخذ شعرات من الكتان أو الحرير أو أي مادة مثل هذا أو ذاك ، ثم ضَمِّ شعرتين إلى بعضهما ، ثم القيام بِلَفِّ كل شعرتين أخريين ، وهكذا حتى يتم اكتمال الحبل . ويقال للرجل القوي : " مفتول العضلات " ، أي : أن عضلاته ليست رخوة أو ضعيفة ، بل مفتولة ، أي : متداخلة ومشدودة . وحين تنظر إلى الجهاز العضلي فأنت تندهش لقدرة الحق سبحانه وتعالى الذي خلق كل عضلة بشكل وأسلوب معين ، يتيح لها أن تتآزر وتتعاون مع غيرها من العضلات لأداء الحركات المطلوبة منها . فحين يرفع الإنسان رأسه فهو يحتاج لحركة أكثر من عضلة ، وحين تعمل اليد فهي تحرك أكثر من عضلة ، ولو تعطلت حركة عضلة واحدة ، لامتنعت الحركة المقابلة لها . وهم قد قالوا لنوح عليه السلام : { قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا … } [ هود : 32 ] . ونحن نعلم أن نوحاً عليه السلام عاش ألف عام إلا خمسين عاماً ، ومعنى ذلك أن جداله معهم أخذ وقتاً طويلاً . والجدال يختلف عن المِرَاء ، لأن الجدال إنما يكون لحقٍّ ، والمراء ، يكون بعد ظهور الحق . الجدال - إذن - مطلوب ، والحق سبحانه هو القائل : { وَجَادِلْهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ … } [ النحل : 125 ] . وكذلك يقول سبحانه وتعالى : { قَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِيۤ إِلَى ٱللَّهِ … } [ المجادلة : 1 ] . إذن : فالجدال مطلوب لنصل إلى الحق ، شرط أن يكون جدلاً حسناً ، لا احتكاك فيه ولا إيذاء . وهناك فارق بين احتكاك الآراء ، وتحكُّك الآراء ، فالتحكك كالتلكَّك ، وهو الرغبة في عدم الوصول إلى الحق ، لكن الاحتكاك هو الذي يوصل إلى الحق ، مثلما نحكُّ الزناد بقطعة من حديد فتولد الشرر لنرى الحق ، أما التحكُّك فهو يواري ويطمس الحقيقة . والمِرَاء هو الجدَال بعد أن يظهر الحق ، وهو مأخوذ من مَرَى الضَّرع ، فحينَ يقومون بإنزال اللبن من ضرع الناقة أو البقرة ، فالضرع يكون ملآن ، وينزل منه اللبن بشدة وقوة ، وبعد أن ينتهي حَلْبُ الضرع ، يظل مَنْ يحلبها مُمْسِكاً بحَلَمات الناقة أو الجاموسة ، ويستحلب ما بقى من اللبن ، ويُقال لهذا الجزء الأخير " المريى " . ولذلك أخذوا من هذه العملية كلمة " المراء " ، وهو ما بعد ظهور الحق . وهناك بجانب الجدال والمراء ، والاحتكاك ، والتحكُّك ، والحِجَاج والمراد بالحجاج هو إظهار حجة الخصم على الخصم . وبعد أن مَلُّوا من جدال نوح - عليه السلام - طلبوا أن ينزل بهم العذاب الذي أنذرهم به ، وقد استبطأوا مجيء هذا العذاب لأن نوحاً عليه السلام عاش بينهم ألف سنة إلا خمسين ، وقالوا : { … فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } [ هود : 32 ] . وكأنهم - بهذا القول - قد أخرجوا نوحاً مَخْرج من بيده أن يأتي بالعذاب ، أو يمنع العذاب ، وهذه مسألة لا يملكها نوح ، بل هي مِلْك لله سبحانه وتعالى . ولذلك يُنبههم نوح عليه السلام : { قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ ٱللَّهُ … } .