Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 34-34)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

والمعنى هنا : إن كان الله سبحانه يريد أن يغويكم فلن تنتفعوا بالنصيحة إن أردت أن أنصحكم لأن الآية بها تعدُّد الشرطين . ومثال ذلك من حياتنا : حين يطرد ناظر المدرسة طالباً ، عقاباً له على خطأ معين ، فالطالب قد يستعطف الناظر ، فيقول الناظر : " إن جئتني غداً أقبل اعتذارك إنْ كان معك والدك " . وقول الناظر : " إن كان معك والدك " هو شرط متأخِّر ، ولكنه كان يجب أن يتقدَّم . وفي الآية الكريمة - التي نحن بصددها - جاء الشرط الأول متأخِّراً ، ولكن هل يغوي الله سبحانه عِبادَه ؟ لا ، إنه سبحانه يهديهم ، والغواية هي الضلال والبعد عن الطريق المستقيم . والحق سبحانه يقول عن محمد صلى الله عليه وسلم : { مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ } [ النجم : 2 ] . وقال سبحانه عن آدم عليه السلام حين أكل من الشجرة : { … وَعَصَىٰ ءَادَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ } [ طه : 121 ] . ونحن يجب ألاَّ نقع في الآفة التي يخطىء البعض بها ، حين يستقبلون ألفاظ العقائد على أساس ما اشتهر به اللفظ من معنى فالألفاظ لها معانٍ متعددة . لذلك لا بد أن نعرض كل معاني اللفظ لنأخذ اللفظ المناسب للسِّياق . ومثال ذلك هو قول الحق سبحانه : { فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُواْ ٱلصَّلاَةَ وَٱتَّبَعُواْ ٱلشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقُونَ غَيّاً } [ مريم : 59 ] . وقوله سبحانه هنا : { فَسَوْفَ يَلْقُونَ غَيّاً } . أي : سوف يلقون عذاباً ، لأن غَيَّهم كان سبباً في تعذيبهم ، فسمَّى العذاب باسم مُسبِّبه . ومثل قول الحق سبحانه : { وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا … } [ الشورى : 40 ] . والحق سبحانه لا يُسيء لعباده ، ولكنهم هم الذين يُسيئون لأنفسهم ، فسمَّى ما يلقاهم من العذاب سيئةً . وكذلك " الغَيُّ " يرد بمعنى " الإغواء " ، ويرد بمعنى الأثر الذي يترتب عن الغي من العذاب . وقد عرض الحق سبحانه وتعالى في كتابه صوراً متعددة للإغواء ، فآدم عليه السلام حين تَنكَّبَ عن الطريق ، وأكل من الشجرة المحرَّمة رغم تحذير الحق سبحانه له ألاّ يقربها ، قال الحق سبحانه وتعالى في هذا الموقف : { … وَعَصَىٰ ءَادَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ } [ طه : 121 ] . وقد فعل آدم عليه السلام ذلك بحكم طبيعته البشرية ، فأراد الله تعالى أن يعلمه أنه إذا خالف المنهج في " افعل " و " لا تفعل " ستظهر عورته وتبدو له سوءاته . وهكذا أخذ آدم عليه السلام التجربة ليكون مُستعِداً لاستقبال المنهج والوَحْي . وقد ذكر لنا الحق سبحانه كلمات الشيطان بقوله : { قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي ٱلأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } [ الحجر : 39 ] . ولكن هل أغوى الله - سبحانه - الشيطان ؟ إن الحق سبحانه لا يُغْوِي ، ولكنه يترك الخيار للمكلَّف إن شاء أطاع ، وإن شاء عَصَى . ولو أنه سبحانه وتعالى جعلنا مؤمنين لما كان لنا اختيار ، فإن أطاع الإنسان نال عطاء الله ، وإن ضَلَّ ، فقد جعل الله له الاختيار ، ووَجَّهه لغير المراد مع صلاحيته للمراد . إذن : فالاختيار ليس مقصوراً على الإغواء بل فيه الهداية أيضاً ، والإنسان قادر على أن يهتدي ، وقادر على أن يضلَّ . ويقول الحق سبحانه بعد ذلك : { أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ قُلْ إِنِ ٱفْتَرَيْتُهُ … } .