Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 35-35)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

جاء هذا القول في صُلْب قصة نوح - عليه السلام - وقد يكون مما أوحى به الله سبحانه لنوح عليه السلام ، أو يكون المراد به أنهم قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم مثل هذا الكلام . والافتراء - كما نعلم - هو الكذب المتعمَّد الذي يناقض واقعاً . وانظروا إلى كل ما جاء بالمنهج ليلتزم به الفرد ، ستجدون أنه مُلْزِمٌ للجميع ، وستكون الفائدة التي تعود عليك بالتزام الجميع - بما فيهم أنت - فائدة كبيرة ، فإن قال لك المنهج : لا تسرقْ فهذا أمانٌ لك من أن يسرقك الناس . ولذلك فساعة تسمع للمنهج ، لا تنظرْ إلى المأخوذ منك ، بل التفتْ إلى المأخوذ لك . وعلى ذلك لا يمكن أن يكون المنهج افتراء . ونحن نعلم أن المنهج يؤسِّس في المجتمعات مقاييس عادلة للاستقامة ، وحين يُشَرِّع الحق سبحانه تشريعاً ، قد يبدو لك أنه يُحِدُّ من حريتك ، ولكنه في الواقع يُحقِّق لك منافع متعدِّدة ، ويحميك من أن يعتدي الآخرون عليك . وكان الردُّ على الاتهام بالافتراء يتمثَّل في أمرين : إما أن يفتروا مثله ، أو أن يتحمَّل هو وِزْرُ إجرام الافتراء . وإن لم يكن قد افتراه ، فعليهم يقع وِزْرُ إجرامهم باتِّهامه أنه قد افترى . وأسلوب الآية الكريمة يحذف عنهم البراءة في الشطر الأول منها ، ولو جاء بالقول دون احتباك ، لقال سبحانه : قل إن افتريته فعليَّ إجرامي وأنتم برءاء منه ، وإنْ لم أفْتَرِ فعليكم إجرامكم وأنا بريء . وجاء الحذف من شِقِّ المقابل من شِقٍّ آخر ، وهذا ما يسمَّى في اللغة " الاحتباك " . والحق سبحانه وتعالى يقول : { كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ ٱللَّهِ … } [ البقرة : 249 ] . والفئة القليلة تكون قلَّتُها في الأفراد والعَتَاد وكلِّ لوازم الحرب ، والفئة الكثيرة ، تظهر كثرَتها في العُدَّة والعَدَد وكلِّ لوازم الحرب ، والفئة القليلة إنما تَغْلِب بإذن الله تعالى . وهكذا يوضِّح الحق سبحانه أن الأسباب تقضي بغلبة الفئة الكثيرة ، لكن مشيئته سبحانه تغلب الأسباب وتصل إلى ما شاءه الله تعالى . ولذلك يقول الحق سبحانه في آية أخرى : { قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ ٱلْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَأُخْرَىٰ كَافِرَةٌ … } [ آل عمران : 13 ] . وحذف سبحانه صفة الإيمان عن الفئة الأولى ، كما حذف عن الفئة الثانية صفة أنها تقاتل في سبيل الطاغوت والشيطان ، وهذا يسمَّى " الاحتباك " . وهنا في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها قال الحق سبحانه : { قُلْ إِنِ ٱفْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَاْ بَرِيۤءٌ مِّمَّا تُجْرِمُونَ } [ هود : 35 ] . ولكن الحق سبحانه وتعالى شاء أن يبين لنا قول رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم حين خاطب قومه ، فقال سبحانه : { … قُل لاَّ تُسْأَلُونَ عَمَّآ أَجْرَمْنَا وَلاَ نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ } [ سبأ : 25 ] . فلم يَقُلْ : " عَمَّا تُجرمون " . فلم يقابل إيذاءهم القوليَّ والمادِّيَّ له بإيذاء قوليٍّ . وكذلك ذكر الحق سبحانه ما جاء على لسان محمد صلى الله عليه وسلم : { … وَإِنَّآ أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } [ سبأ : 24 ] . وهذا ارتقاء في الجدل يناسب رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أنزلها الله على العالم كله . وبعد ألف عام إلا خمسين من جدال نوح عليه السلام لقومه ، قال له الحق سبحانه وتعالى : { وَأُوحِيَ إِلَىٰ نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ … } .