Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 41-41)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذه هي المرحلة الأخيرة في قصة السفينة ، وبدأت القصة بأمر من الله سبحانه لنوح عليه السلام أن اصنع الفلك ، ثم تمهيد من نوح لقومه ، ثم ظل يصنع الفلك حتى جاءت إشارة البدء بعلامة : { وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ … } [ هود : 40 ] وحَمَلَ نوح عليه السلام في الفُلْك - بأمر من الله تعالى - من كل شيء زوجين اثنين ، وأهله ومَنْ آمن معه . وقال نوح عليه السلام لمن آمن : { ٱرْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ ٱللَّهِ مَجْريٰهَا وَمُرْسَاهَا … } [ هود : 41 ] . وهذا القول منسوب لنوح عليه السلام لأنه أضاف : { … إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } [ هود : 41 ] . والركوب يقتضي أن يكون الراكب على المركوب ، ومستعلٍ عليه . والاستعلاء يقتضي أن يكون الشيء المُستعلَى عليه في خدمة المُستعلِي ، فكأن تسخير الله سبحانه للسفينة إنما جاء ليخدم المستعلِي . ولكن الله تعالى يقول هنا : { ٱرْكَبُواْ فِيهَا … } [ هود : 41 ] . ولم يقل : " اركبوا عليها " . قال الحق سبحانه وتعالى ذلك ليعطينا لقطة عن طريقة صنع السفينة ، فقد صنعها نوح عليه السلام بوحي من الله تعالى على أفضل نظام في البواخر ، ولم يصنعها بطريقة بدائية ، فهم - إذن - لم يركبوها على سطحها ، بل تم بناؤها بما يتيح لهم السكن فيها ، خصوصاً وأن تلك السفينة تحمل وحوشاً وهواماً وحيوانات بجانب البشر ، لذلك كان لا بد من بنائها على هيئة طبقات وأدوار . وقول الحق سبحانه : { بِسْمِ ٱللَّهِ مَجْريٰهَا وَمُرْسَاهَا … } [ هود : 41 ] . يُبيِّن لنا أنها قد صُنعت لتُنجي من الغرق لذلك لا بد أن تسير بالراكبين فيها إلى مكان لا يصله الماء ، ولا بد أن يكون هذا المكان عالياً ليتيح الرُّسُوَّ ، كما أتاح الفيضان عملية الجريان . وهكذا كان جريانها باسم الله ، ورُسُوُّها بإذنه سبحانه . وقول نوح عليه السلام : { بِسْمِ ٱللَّهِ مَجْريٰهَا وَمُرْسَاهَا … } [ هود : 41 ] . يعلِّمنا أن جريانها إنما يتمُّ بمشيئة الله تعالى وأنهم يركبون فيها ، لا لمكانتهم الشخصية ، ولكن لإيمانهم بالله تعالى . ومثال ذلك من حياتنا - ولله المثل الأعلى - : نجد القاضي يقول مفتتحاً الحكم : " باسم الدستور والقانون " أي : أنه لا يحكم بذاته كقاضٍ ، لكنه يحكم باسم الدستور والقانون . ونوح عليه السلام يقول : { بِسْمِ ٱللَّهِ مَجْريٰهَا وَمُرْسَاهَا … } [ هود : 41 ] لأن السفينة لله أمر ، ولرسوله صناعة . ولذلك يقال : " كل شيء لا يبدأ باسم الله فهو أبْتر " . لأنك حين تُقبل على فعل شيء ، فالأفعال أو الأحداث تحتاج إلى طاقات متعددة ، فإن كان الفعل عضليّا ، فهو يحتاج لقوة ، وإن كان الفعل عقليّا فهو يحتاج لفكر ورويَّة وأناة ، وإن كان فعلاً فيه مواجهة لأهل الجاه فهو يحتاج إلى شجاعة ، وإن كان من أجل تصفية نفوس فهو يحتاج إلى الحِلْم ؟ إذن : فاحتياجات الأحداث كثيرة ومختلفة ، ومن أجل أن تحصل على القوة فقد تقول : " باسم القوي القادر " ولكي تحصل على علم تقول : " باسم العليم " ، وتريد الغني فتقول : " باسم الغنيِّ " وحين تحتاج إلى الحلم تقول : " باسم الحليم " ، وعندما تحتاج إلى الشجاعة تقول : " باسم القهار " . وقد يحتاج الفعل الواحد لأشياء كثيرة ، والذي يُغْنِي عن كل ذلك أن تنادي ربك وتتبرَّك باسم واجد الوجود وهو الله سبحانه وتعالى ، ففيه تنطوي كل صفات الكمال والجلال . وإياك أن تتهيَّب أو تستحي ، بل ادخل على كل أمر باسم الله ، حتى لو كنت عاصياً لأن الحق سبحانه رحمن رحيم . وقول الحق سبحانه على لسان نوح عليه السلام : { … إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } [ هود : 41 ] . إنما يقصد أن هؤلاء المؤمنين برسالة نوح كانوا من البشر ، ولم يطبِّقوا - كغالبية البشر - كل التكاليف لأنهم ليسوا ملائكة . لذلك قَدَّر الحق سبحانه وتعالى إيمانهم وعفا عن بعض الذنوب التي ارتكبوها ولم يؤاخذهم بها . هذه هي الميزة في قول : " بسم الله الرحمن الرحيم " . ويقول الحق سبحانه بعد ذلك يَصفُ السفينة ورُكَّابها : { وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَٱلْجِبَالِ … } .