Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 45-45)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وعاطفة الأبوة عاطفة محمودة ، والحق سبحانه يشحن بها قلب الأب على قَدْر حاجة البنوة ، ولو لم تكن تلك العاطفة موجودة ، لما تحمَّل أيُّ أبٍ أو أيُّ أمٍّ متاعب تربية الأبناء . وحتى نعلم أن الأنبياء لا بنوة لهم إلا بنوة الاتِّباع نجد المثل في إبراهيم خليل الرحمن عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام ، حين قال فيه الحق سبحانه : { وَإِذِ ٱبْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ … } [ البقرة : 124 ] . أي : أن أداء إبراهيم عليه السلام للتكاليف كان على وجه التمام ، مثلما أراد أن يرفع القواعد من البيت ، فرفعها فوق قامته بالاحتيال ، فأحضر حجراً ووقف عليه ليُعلي جدار الكعبة . وقال له الله تعالى : { إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً … } [ البقرة : 124 ] . لأنك مأمون على منهج الله وقادر على أن تنفِّذه بدقة ، فقال إبراهيم عليه السلام : { وَمِن ذُرِّيَّتِي … } [ البقرة : 124 ] . فقال الحق سبحانه : { … لاَ يَنَالُ عَهْدِي ٱلظَّالِمِينَ } [ البقرة : 124 ] . من هذا نعلم أن النبوَّة ليس لها بنوَّة ، بل النبوَّة لها أتباع . ويتضح ذلك أيضاً في قول إبراهيم عليه السلام بعد أن استقرَّ في ذهنه قول الحق سبحانه : { … لاَ يَنَالُ عَهْدِي ٱلظَّالِمِينَ } [ البقرة : 124 ] . قال إبراهيم لربه سبحانه طلباً للرزق لمكة وأهلها : { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا بَلَداً آمِناً وَٱرْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ ٱلثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ … } [ البقرة : 126 ] . هكذا طلب إبراهيم عليه السلام الرزق للمؤمنين ، لكن الحق سبحانه يبيِّن له أنه نقل المسألة إلى غير مكانها فالرزق عطاء ربوبية للمؤمن والكافر ، لكن تكليفات الألوهية هي للمؤمن فقط لذلك قال الحق سبحانه : { وَمَن كَفَرَ … } [ البقرة : 126 ] . أي : أن الرزق يشمل المؤمن والكافر ، عطاء من الربوبية . ونريد أن نقول إنَّ عاطفة الأبوة والأمومة إنما تتناسب مع حاجة الابن تناسباً عكسيّا ، فإن كان الابن قوّياً فعاطفة الأبوة والأمومة تقلُّ . ومثال ذلك : أننا نجد شقيقين أحدهما غني قائم بأمر الأبوين ويتكفَّل بهما ، بينما الابن الآخر فقير لا يقدر على رعاية الأبوين . وسنلحظ أن قلب الأب والأم يكون مع الفقير ، لا مع الغَنيِّ ، فعاطفة الأبوة والأمومة تكون مع الضعيف والمريض والغائب ، وكلما كان الابن في حاجة كانت العاطفة معه . وفي نداء نوح عليه السلام لربه سبحانه نلحظ أن نوحاً كان يملك المبرِّر طلباً لنجاة الابن لأن الحق سبحانه أمره بأن يحمل في السفينة من كلٍّ زوجين اثنين وكذلك أهله ، فأراد نوح عليه السلام أن يطلب النجاة لابنه لأنه من أهله ، فقال : { … رَبِّ إِنَّ ٱبْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ ٱلْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ ٱلْحَاكِمِينَ } [ هود : 45 ] . إذن : فنوح عليه السلام يملك حق الدعاء لأنه يطلب تحقق وعد الله تعالى بأن يحمل أهله معه للنجاة . وحين يقول نوح : { وَأَنتَ أَحْكَمُ ٱلْحَاكِمِينَ } هو إقرار بأن الله سبحانه لا يخطىء لأن الابن قد غرق ، بل لا بد أن ذلك الغرق كان لحكمة . ويقول الحق سبحانه : { قَالَ يٰنُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ … } .