Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 60-60)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
والزمان بالنسبة للخلق ثلاثة أقسام : حياتهم زمن أول ، ومن لحظة الموت إلى أن تقوم الساعة زمن ثان وهو زمن البرزخ ، وساعة يبعثون هي الزمن الثالث . والحياة الأولى فيها العمل ، وحياة البرزخ فيها عرض الجزاء ، مجرد العرض ، والحياة الثالثة هي الآخرة إما إلى الجنة وإما إلى النار . يقول الحق سبحانه : { كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِٱللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } [ البقرة : 28 ] . هذه هي الأزمنة الثلاثة - حياة ، وبرزخ ، وبعث - وكل وقت منها له ظرف . ويعبر القرآن عن هذا ، فيقول عن عذاب آل فرعون منذ أن أغرقهم الله سبحانه في البحر : { ٱلنَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ أَدْخِلُوۤاْ آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ ٱلْعَذَابِ } [ غافر : 46 ] . وفي هذا دليل على عرض الجزاء في البرزخ مصداقاً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " القبر إما روضة من رياض الجنة ، وإما حفرة من حفر النار " . إذن : فهنا زمنان : زمن عرضهم على النار غدوّاً وعشيّاً ، وزمن دخولهم النار . وهذا يثبت عذاب البرزخ لأن الإنسان الكافر يرى فيه موقعه من النار ، ويرى نصيبه من العذاب ، ثم تقوم الساعة ليأخذ نصيبه من العذاب . وبالنسبة لقوم عاد ، أذاقهم الله سبحانه العذاب في الدنيا ، ثم يدخلهم النار يوم القيامة . ويقول الحق سبحانه في نفس الآية : { … أَلاۤ إِنَّ عَاداً كَفَرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْداً لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ } [ هود : 60 ] . وكلمة " ألا " هي أداة تنبيه - كما قلنا من قبل - تنبه السامع إلى أهمية ما يلقيه المتكلم حتى لا يجابه السامع بالكلام وهو غافل ، ولأن المتكلم هو الذي يقود زمام الكلام ، فيجب ألا يستقبله السامع غافلاً ، فتأتي كلمة " ألا " كجرس ينبه إلى ما بعدها من كلام . والكلام عن قوم عاد الذين نالوا عذاباً في الدنيا بالريح العقيم ، ثم أتبعوا لعنة في البرزخ ، وسوف يُستقبلون يوم القيامة باللعنات فهذه لعنات ثلاث . وجاء الحق سبحانه وتعالى بحيثية هذه اللعنات مخافة أن يرق قلب السامع من كثرة ما يقع عليهم من لعن ، فبيَّن بكلمة " ألا " أي : تنبهوا إلى أن قوم عاد كفروا ربهم . وللجريمة زمن ، وللعقوبة عليها زمن ، وكفرهم بربهم حدث في الدنيا ، وهو كفر في القمة لذلك نالوا عقاباً في الدنيا . والخطر كل الخطر أن يتأخر زمن العقوبة عن زمن الجريمة ، فلا تأخذكم بهم الرحمة الحمقاء ، لأن كفرهم هو الكفر بالقمة العقدية لذلك تواصل لعنهم في البرزخ ، ثم تأتي لهم لعنة الآخرة . وهم لم يكفروا بنعمة ربهم ، بل كفروا بربهم . والحق سبحانه لم يطلب من أحد عبادته قبل سن التكليف ، وقدم لهم كما يقدم لكل الخلق نعمه التي لا تعد ولا تحصى ولذلك فهم يستحقون اللعنات وهي الجزاء العادل . وقد أوضح لهم هود عليه السلام : { إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى ٱللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَآ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [ هود : 56 ] . أي : أن الحق سبحانه عادل . وأنت حين تسمع جريمتهم تنفعل وتطلب أقصى العقاب لهم ولذلك يأتي قول الحق سبحانه : { … أَلاۤ إِنَّ عَاداً كَفَرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْداً لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ } [ هود : 60 ] . فأنت لا تكتفي بلعنتهم الأولى ، بل تلعنهم مرة أخرى . ولسائل أن يقول : ولماذا يقول الحق سبحانه هنا : { … أَلاَ بُعْداً لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ } [ هود : 60 ] . ونقول : لقد قال الحق سبحانه وتعالى في موضع آخر من القرآن : { وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً ٱلأُولَىٰ } [ النجم : 50 ] . وهذا يوضح لنا أن " عاداً " كانت اثنتين : عاداً الأولى ، وهم قوم عاشوا وضَلُّوا فأهلكهم الله ، وهناك عاد الثانية . وبعد ذلك يقول الحق سبحانه : { وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً … } .