Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 59-59)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
و " تلك " إشارة إلى المكان الذي عاش فيه قوم عاد لأن الإشارة هنا لمؤنث ، ولنتذكر أن المتكلم هنا هو الله سبحانه وتعالى . وهكذا فصل بين " عاد " المكان ، و " عاد " المكين ، وهم قوم عاد لذلك قال سبحانه : { جَحَدُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ … } [ هود : 59 ] فهم قد ذهبوا وبقيت آثارهم . و " عاد " إما أن تطلق على المكان والمحل ، وإما أن تطلق على الذوات التي عاشت في المكان ، فإذا أشار سبحانه بـ { تِلْكَ } فهي إشارة إلى الديار ، والديار لم تجحد بآيات الله ولذلك جاء بعدها بقوله تعالى : { جَحَدُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ … } [ هود : 59 ] . والجحود هو النكران مع قوة الحجة والبرهان . والآيات - كما نعلم - جمع آية ، وهي الأمور العجيبة الملفتة للنظر التفاتاً يوحي بإيمان بما تنص عليه . ومن الآيات ما يدل على قمة العقيدة ، وهو الإيمان بواجب الوجود بالله الرب الخالق الحكيم القادر سبحانه وتعالى ، مثل آيات الليل والنهار والشمس والقمر ، ورؤية الأرض خاشعة إلى آخر تلك الآيات التي في القمة . وكذلك هناك آيات أخرى تأتي مصدقة لمن يخبر أنه جاء رسولاً من عند الله تعالى ، وهي المعجزات . وآيات أخرى فيها الأحكام التي يريدها الله سبحانه بمنهجه لضمان صحة حركة الحياة في خلقه . وقوم عاد جحدوا بكل هذه الآيات جحدوا الإيمان ، وجحدوا تصديق الرسول بالمعجزة ، وأهملوا وتركوا منهج الله جحوداً بإعراض . لذلك يقول الحق سبحانه : { وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ … } [ هود : 59 ] . وهود عليه السلام هو الذي أرسله الحق سبحانه إلى قوم عاد ، فهل هو المعنيُّ بالعصيان هنا ؟ نقول : لا لأن الله عز وجل قال : { وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ ٱلنَّبِيِّيْنَ لَمَآ آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ … } [ آل عمران : 81 ] . إذن : فكل أمة من الأمم عندها بلاغ من رسولها بأن تصدق أخبار كل رسول يُرسَل . ولذلك قال الحق سبحانه : { كُلٌّ آمَنَ بِٱللَّهِ وَمَلاۤئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ … } [ البقرة : 285 ] . فهم قد انقسموا إلى قسمين لأن الحق سبحانه يقول : { … وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ وَٱتَّبَعُوۤاْ أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ } [ هود : 59 ] . أي : أن هناك مُتَّبِعاً ، ومُتَّبَعاً . والمقصود بالجبار العنيد هم قمم المجتمع ، سادة الطغيان والصنف الثاني هم من اتبعوا الجبابرة . ومن رحمته سبحانه أنه حين يتكلم عن الفِرَق الضالة ، فهو يتكلم أيضاً عن الفرق المضلة ، فهناك ضالٌّ في ذاته ، وهناك مُضِلٌّ لغيره . والمضل لغيره عليه وزران : وزر ضلاله في ذاته ، ووزر إضلال غيره . أما الذين اتَّبعوا فلهم بعض العذر لأنهم اتَّبعوا بالجبروت والقهر ، لا بالإقناع والبينة . وانظر إلى القرآن الكريم حين يعالج هذه القضية ، فيتحدث عن الفئة التي ضلت في ذاتها ويقول : { وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ ٱلْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ } [ البقرة : 78 ] . ويتحدث الحق سبحانه بعد ذلك عن الفئة المضلة فيقول : { فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ ٱلْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـٰذَا مِنْ عِنْدِ ٱللَّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً … } [ البقرة : 79 ] . ويقول الحق سبحانه بعد ذلك : { وَأُتْبِعُواْ فِي هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا لَعْنَةً … } .