Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 7-7)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقد تعرض القرآن الكريم لمسألة خلق الأرض والسماء أكثر من مرة . وقلنا من قبل : إن الحق سبحانه وتعالى قد شاء أن يخلق الأرض والسماوات في ستة أيام من أيام الدنيا ، وكان من الممكن أن يخلقها في أقل من طرفة عين بكلمة " كن " وعرفنا أن هناك فارقاً بين إيجاد الشيء ، وطرح مكونات إيجاد الشيء . ومثال ذلك - ولله المثل الأعلى - حين يريد الإنسان صنع " الزبادي " ، فهو يضع جزءاً من مادة الزبادي - وتسمى " خميرة " - في كمية مناسبة من اللبن الدافىء ، وهذه العملية لا تستغرق من الإنسان إلا دقائق ، ثم يترك اللبن المخلوط بخميرة الزبادي ، وبعد مضي أربع وعشرين ساعة يتحول اللبن المخلوط بالخميرة إلى زبادي بالفعل . وهذا يحدث بالنسبة لأفعال البشر ، فهي أفعال تحتاج إلى علاج ، ولكن أفعال الخالق سبحانه وتعالى لا علاج فيها لأنها كلها تأتي بكلمة " كن " . أو كما قال بعض العلماء : إن الله شاء أن يجعل خلق الأرض والسماوات في ستة أيام ، وقد أخذ بعض المستشرقين من هذه الآية ، ومن آيات أخرى مجالاً لمحاولة النيل من القرآن الكريم ، وأن يدَّعوا أن فيه تعارضاً ، فالحق سبحانه وتعالى هنا يقول : { وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَق ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ … } [ هود : 7 ] . وجاءوا إلى آية التفصيل وجمعوا ما فيها من أيام ، وقالوا : إنها ثمانية أيام ، وهي قول الحق سبحانه : { قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِٱلَّذِي خَلَقَ ٱلأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا فِيۤ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَآءً لِّلسَّآئِلِينَ * ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ٱئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ … } [ فصلت : 9 - 12 ] . وهنا قال بعض المستشرقين : لو كانت هذه قصة الخلق للأرض والسماوات لطابقت آية الإجمال آية التفصيل . وقال أحدهم : لنفرض أن عندي عشرة أرادب من القمح ، وأعطيت فلاناً خمسة أرادب وفلاناً ثلاثة أرادب ، وفلاناً أعطيته إردبين ، وبذلك ينفد ما عندي لأن التفصيل مطابق للإجمال . وادَّعى هذا البعض من المستشرقين أن التفصيل لا يتساوى مع الإجمال . ولم يفطنوا إلى أن المتكلم هو الله سبحانه وتعالى ، وهو يكلم أناساً لهم ملكة أداء وبيان وبلاغة وفصاحة وقد فهم هؤلاء ما لم يفهمه المستشرقون . هم فهموا ، كأهل فصاحة ، أن الحق - سبحانه وتعالى - قد خلق الأرض في يومين ، ثم جعل فيها رواسي وبارك فيها ، إما في الأرض أو في الجبال ، وقدَّر فيها أقواتها ، وكل ذلك تتمة للحديث عن الأرض . ومثال ذلك : حين أسافر إلى الإسكندرية فأنا أصل إلى مدينة طنطا في ساعة - مثلاً - وإلى الإسكندرية في ساعتين ، أي : أن ساعة السفر التي وصلت فيها إلى طنطا هي من ضمن ساعتي السفر إلى الإسكندرية . وكذلك خلق الأرض والرواسي وتقدير القوت ، كل ذلك في أربعة أيام متضمنة يَوْمَىْ خَلْق الأرض ، ثم جاء خلق السماء في يومين . ثم يقول الحق سبحانه : { وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى ٱلْمَآءِ … } [ هود : 7 ] . كل هذه المسائل الغيبية لها حجة أساسية ، وهي أن الذي أخبر بها هو الصادق ، فلا أحد يشك أن الأرض والسماوات مخلوقة ، ولا أحد يشك في أن السماوات والأرض أكبر خلقاً من خلق الناس ، وليس هناك أحد من البشر ادَّعى أنه خلق الأرض أو خلق السماوات . وكل المخترعات البشرية نعرف أصحابها ، مثل : المصباح الكهربي ، والهاتف ، والميكروفون ، والتليفزيون ، والسيارة ، وغيرها . ولكن حين نجيء إلى السماوات والأرض لا نجد أحداً قد ادعى أنه قد خلقها . وقد أبلغنا الحق سبحانه أنه هو الذي خلقها ، وهي لمن ادّعاها إلى أن يظهر مُعارِض ، ولن يظهر هذا المعارض أبداً . وكل هذا الخلق من أجل البلاء : { لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً … } [ هود : 7 ] . أي : ليختبركم أيكم أحسن عملاً ، ولكن من الذي يحدد العمل ؟ إنه الله سبحانه وتعالى . وهل الحق سبحانه في حاجة إلى أن يختبر مخلوقاته ؟ لا ، فالله سبحانه يعلم أزلاً كل ما يأتي من الخلق ، ولكنه سبحانه أراد بالاختبار أن يطابق ما يأتي منهم على ما علمه أزلاً حجة عليهم . وهكذا فاختبار الحق سبحانه لنا اختبار الحجة علينا . ثم يقول الحق سبحانه : { … وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُمْ مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ ٱلْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ } [ هود : 7 ] . وهنا يصور الحق - سبحانه وتعالى - تكذيب المعاندين لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهم يلقون بالألفاظ على عواهنها من قبل أن تمر على تفكيرهم . فلو أنهم قد مروا بهذه الكلمات على تفكيرهم لاستحال منطقياً أن يقولوها . والرسول صلى الله عليه وسلم يخبرهم ببلاغ الحق سبحانه وتعالى لهم بأنهم مبعوثون من بعد الموت . وهذا كلام إخباري بأنهم إن ماتوا - وهم سيموتون لا محالة - سيبعثهم الله سبحانه ، فما كان منهم إلا أن قالوا : { … إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ } [ هود : 7 ] . والخبر الذي يقوله لهم هو خبر ، فما موقع السحر منه ؟ إنهم يعلمون أنه صلى الله عليه وسلم لم يقل ذلك إلا من نص القرآن الكريم ، وهم يقولون عن القرآن الكريم إنه سحر ، فكأن النص نفسه من السحر الذي حكموا به على القرآن . وأوضحنا من قبل أن إبطال قضية السحر في القرآن الكريم دليله منطقي مع القول لأنهم إن كانوا قد ادعوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أن محمداً - في عرفهم - قد سحر القوم الذين اتبعوه . فالساحر له تأثير على المسحور ، والمسحور لا دخل له في عملية السحر ، فإذا كان محمد قد سحر القوم الذين اتبعوه ، فلماذا لم يسحر هؤلاء المنكرين لرسالته بنفس الطريقة التي سحر بها غيرهم ؟ وحيث إنهم قد بقوا على ما هم عليه من عناد لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهذا دليل على أن المسألة ليست سحراً ، ولو كان الأمر كذلك لسحرهم جميعاً . وقولهم : { … إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ } [ هود : 7 ] . يدل على أنه سحر محيط ، لا سحر لأناس خاصين ، فكلمة { سِحْرٌ مُّبِينٌ } تعني : سحراً محيطاً بكل من يريد سحره . وبقاء واحد على الكفر دون إيمان برسول الله يدل على أن المسألة ليست سحراً . ويقول الحق سبحانه بعد ذلك : { وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ ٱلْعَذَابَ إِلَىٰ أُمَّةٍ … } .