Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 96-96)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ونحن نعلم أن الآيات إذا وردت في القرآن إنما تنصرف إلى ثلاثة أشياء : آيات كونية تعاصر كل الناس ويراها كل واحد ، مثل آيات الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم والأرض الخاشعة إذا ما نزل عليها الماء اهتزت وربت ، وكلها آيات كونية تلفت العقل إلى النظر في أن وراء هذا الكون الدقيق تكويناً هندسياً أقامه إله قادر . وهناك آيات تأتي لبيان صدق الرسول في البلاغ عن الله ، وهي المعجزات مثل : ناقة ثمود المبصرة ، وشفاء عيسى عليه السلام للأكمه والأبرص بإذن الله . ثم آيات الأحكام التي تبيِّن مطلوبات المنهج بـ " افعل " و " لا تفعل " . وهنا قال الحق سبحانه : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } [ هود : 96 ] . فهناك آيات تدل على صدقه ، وفوق ذلك سلطان ظاهر ، إما أن يكون سلطاناً يقهر الغالب ، أو سلطان حجة تقنع العقل . وسلطان القوة قد يقهر الغالب ، لكنه لا يقهر القلب ، والله سبحانه يريد قلوباً ، لا قوالب لذلك قال سبحانه لرسوله صلى الله عليه وسلم : { لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ * إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ } [ الشعراء : 3 - 4 ] . إذن : فالحق سبحانه يطلب القلوب لا القوالب ، قلوب تأتي إلى الله تعالى طواعية بدون إكراه . لذلك فالسلطان الأهم هو سلطان الحجة لأنه يقنع الإنسان أن يفعل … ولم يكن لموسى عليه السلام سلطانٌ من القوة ليظهر ، بل كان له سلطان الحجة ، وهو قول الحق سبحانه : { وَقَالَ مُوسَىٰ يٰفِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ * حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لاَّ أَقُولَ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } [ الأعراف : 104 - 105 ] . فيرد عليه فرعون : { قَالَ إِن كُنتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ * فَأَلْقَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ * وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَآءُ لِلنَّاظِرِينَ } [ الأعراف : 106 - 108 ] . وبياض اليد مسألة ذاتية في موسى عليه السلام ، وطارئة أيضاً ، فلم تكن مرضاً كالبهاق مثلاً ، بدليل الاحتياط في قوله تعالى : { وَٱضْمُمْ يَدَكَ إِلَىٰ جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍ … } [ طه : 22 ] . أما العصا فهي الحجة التي دفعت فرعون إلى أن يأتي بالسحرة ، ليغلبهم موسى أمام فرعون والملأ ، فيتبع السحرة موسى ويؤمنوا برب موسى وهارون . ونحن نعلم أن الحق سبحانه قد أرسل موسى عليه السلام بتسع آيات هي : العصا التي تصير ثعباناً يلقف ما صنع السحرة ، واليد البيضاء من غير سوء ، ثم أخذ آل فرعون بالسنين ، ونقص في الأنفس والثمرات ، لأن الجدب يمنع الزرع ، ونقص الأموال يحقق المجاعة ، وكذلك أرسل الحق سبحانه على قوم فرعون الطوفان والجراد والقُمَّل والضفادع ، هذه هي الآيات التسع التي أرسلها الحق سبحانه على آل فرعون ، بسبب عدم إيمانهم برسالة موسى عليه السلام . وهناك آيات آخرى أرسلها الحق سبحانه لقوم موسى بواسطة موسى عليه السلام هي نتق الجبل ، وضرب البحر بالعصا ، ثم ضرب الحجر بالعصا لتتفجر اثنتا عشرة عيناً ، وكذلك نزول التوراة في ألواح . إذن : فالكلام في الآيات التسع المقصود بها الآيات التي أرسل بها موسى إلى فرعون ، أما هذه الآيات فقد كانت بعد الخروج من مصر أو مصاحبة له كضرب البحر بالعصا . والدليل على أن قصة موسى مع فرعون خاصة ، أن موسى كانت له رسالتان : الرسالة الأولى مع فرعون ، والرسالة الثانية مع بني إسرائيل . ولذلك نلحظ أن الحق سبحانه وتعالى يخبرنا في آخر السورة بالخلاف بين موسى عليه السلام وبني إسرائيل : { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ ٱلْكِتَابَ فَٱخْتُلِفَ فِيهِ … } [ هود : 110 ] . إذن : فقصته مع بني إسرائيل تأتي بعد إيتائه الكتاب ، أي : التوراة . وهنا يتكلم الحق سبحانه عن آيات موسى عليه السلام مع فرعون فيقول : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } [ هود : 96 ] . أي : سلطان محيط لا يدع للخصم مكاناً أو فكاكاً . ثم يقول الحق سبحانه : { إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ … } .