Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 108-108)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أي : قُلْ يا محمد هذا هو منهجي . والسبيل كما نعلم هو الطريق ، وقوله الحق : { هَـٰذِهِ سَبِيلِيۤ … } [ يوسف : 108 ] . يدلُّ على أن كلمة السبيل تأتي مرة مُؤنَّثة ، كما في هذه الآية ، وتأتي مرة مُذكَّرة كما في قوله الحق : { وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ ٱلرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ ٱلْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً … } [ الأعراف : 146 ] . وأعْلِنْ يا محمد أن هذه الدعوة التي جِئْتَ بها هي للإيمان بالله الواحد وسبحانه لا ينتفع بالمنهج الذي نزل عليك لِيُطبِّقه العباد ، بل فيه صلاح حياتهم ، وسبحانه هو الله فهو الأول قبل كل شيء بلا بداية ، والباقي بعد كل موجود بلا نهاية ومع خَلْق الخَلْق الذين آمنوا هو الله وإن كفروا جميعاً هو الله ، والمسألة التكليفية بالمنهج عائدة إليكم أنتم ، فمَنْ شاء فَلْيؤمن ، ومَنْ شاء فَلْيكفر . ولنقرأ قوله الحق : { إِذَا ٱلسَّمَآءُ ٱنشَقَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ } [ الانشقاق : 1 - 2 ] . فهي تنشقُّ فَوْرَ سماعها لأمر الله ، وتأتي لحظة الحساب . وقوله الحق : { قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِيۤ أَدْعُو إِلَىٰ ٱللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ … } [ يوسف : 108 ] . أي : أدعو بالطريق المُوصِّل إلى الله إيماناً به وتَقبُّلاً لمنهجه ، وطلباً لما عنده من جزاء الآخرة وأنا على بصيرة مما أدعو إليه . والبصر - كما نعلم - للمُحسَّات ، والبصيرة للمعنويات . والبصر الحسيُّ لا يُؤدِّي نفس عمل البصيرة لأن البصيرة هي يقينٌ مصحوبٌ بنور يُقنِع النفس البشرية ، وإنْ لم تَكُنْ الأمور الظاهرة مُلجئة إلى الإقناع . ومثال هذا : أم موسى حين أوحى الله لها أن تقذف ابنها في اليَمِّ ، ولو قاسَتْ هي هذا الأمر بعقلها لما قَبِلَتْه ، لكنها بالبصيرة قَبِلَتْه لأنه وارد من الله لا مُعانِدَ له من النفس البشرية . فالبصيرة إذن : هي يقين ونور مبني على برهان من القلب فيطيعه العبد طاعة بتفويض ، ويُقال : إن الإيمان طاعة بصيرة . ويمكن أن نقرأ قوله الحق : { قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِيۤ أَدْعُو إِلَىٰ ٱللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ … } [ يوسف : 108 ] . وهنا جملة كاملة ونقرأ بعدها : { أَنَاْ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِي … } [ يوسف : 108 ] . أو نقرأها كاملة : { قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِيۤ أَدْعُو إِلَىٰ ٱللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ ٱللَّهِ وَمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } [ يوسف : 108 ] . وقول الحق : { وَسُبْحَانَ ٱللَّهِ … } [ يوسف : 108 ] . أي : أنه سبحانه مُنزَّه تنزيهاً مطلقاً في الذات ، فلا ذاتَ تُشبِهه فذاته ليست محصورة في القالب المادي مثلك ، والمنفوخة فيه الروح ، وسبحانه مُنزَّه تنزيهاً مُطْلقاً في الأفعال ، فلا فعلَ يشبه فِعله وكذلك صفاته ليست كصفات البشر ، فحين تعلم أن الله يسمع ويرى ، فخُذْ ذلك في نطاق : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ … } [ الشورى : 11 ] . وكذلك وجوده سبحانه ليس كوجودك لأن وجوده وجود واجد أزليّ ، وأنت حَدَثٌ طارئ على الكون الذي خلقه سبحانه . ولذلك قاس بعض الناس رحلة الإسراء والمعراج على قدرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينتبهوا إلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لقد أُسري بي " . ونزل قول الحق سبحانه : { سُبْحَانَ ٱلَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَىٰ ٱلْمَسْجِدِ ٱلأَقْصَى ٱلَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَآ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلبَصِيرُ } [ الإسراء : 1 ] . وهكذا تعلم أن الفعل لم يكن بقوة محمد صلى الله عليه وسلم ولكن بقوة من خلق الكون كله ، القادر على كل شيء ، والذي لا يُمكِن لمؤمن حقٍّ أن يشرك به ، أمام هذا البرهان . ويقول الحق سبحانه من بعد ذلك : { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً … } .