Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 47-47)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وهذه بداية تأويل رُؤْيا الملك . والدَّأْب معناه : المُواظبة فكأن يوسف عليه السلام قد طلب أن يزرع أهل مصر بدأبٍ وبدون كسل . ويتابع : { فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ } [ يوسف : 47 ] . أي : ما تحصدونه نتيجة الزرع بجِدٍّ واجتهاد فلكم أنْ تأكلوا القليل منه ، وتتركوا بقيته محفوظاً في سنابله . والحفظ في السنابل يُعلِّمنا قَدْر القرآن ، وقدرة مَنْ أنزل القرآن سبحانه ، وما آتاه الله جل علاه ليوسف عليه السلام من علم في كل نواحي الحياة ، من اقتصاد ومقومات التخزين ، وغير ذلك من عطاءات الله ، فقد أثبت العلم الحديث أن القمح إذا خُزِّن في سنابله فتلك حماية ووقاية له من السوس . وبعض العلماء قال في تفسير هذه الآية إن المقصود هو تخزين القمح في سنابله وعيدانه . وأقول : إن المقصود هو تَرْك القمح في سنابله فقط لأن العيدان هي طعام الحيوانات . ونحن نعلم أن حبة القمح لها وعاءان وعاء يحميها وهو ينفصل عن القمحة أثناء عملية " الدَّرْس " ثم يطير أثناء عملية " التذرية " مُنفصِلاً عن حبوب القمح . ولحبة القمح وعاء ملازم لها ، وهو القشرة التي تنفصل عن الحبة حين نطحن القمح ، ونسميها " الردة " وهي نوعان : " ردة خشنة " و " ردة ناعمة " . ومن عادة البعض أن يَفصِلوا الدقيق النقي عن " الردة " ، وهؤلاء يتجاهلون - أو لا يعرفون - الحقيقة العلمية التي أكدت أن تناول الخبز المصنوع من الدقيق الأبيض الخالي من " الردة " يصيب المعدة بالتلبُّك . فهذه القشرة الملازمة لحبة القمح ليست لحماية الحبة فقط بل تحتوي على قيمة غذائية كبيرة . وكان أغنياء الريف في مصر يقومون بتنقية الدقيق المطحون من " الردة " ويسمُّونه " الدقيق العلامة " الذي إنْ وضعت ملعقة منه في فمك تشعر بالتلَبُّك أما إذا وضعت ملعقة من الدقيق الطبيعي الممتزج بما تحتويه الحبة من " ردة " فلن تشعر بهذا التلبُّك . ويمتنُّ الله على عباده بذلك في قوله الحق : { وَٱلْحَبُّ ذُو ٱلْعَصْفِ وَٱلرَّيْحَانُ } [ الرحمن : 12 ] . وقد اهتدى علماء هذا العصر إلى القيمة الفاعلة في طَحْن القمح ، مع الحفاظ على ما فيه من قشر القمح ، وثبت لهم أن مَنْ يتناول الخبز المصنوع من الدقيق النقي للغاية يعاني من ارتباك غذائي يُلجِئه إلى تناول خبز مصنوع من قِشْر القمح فقط ، وهو ما يسمى " الخبز السِّن " ليعوض في غذائه ما فقده من قيمة غذائية . وهنا يقول الحق سبحانه : { فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ } [ يوسف : 47 ] . وهكذا أخبر يوسف الساقي الذي جاء يطلب منه تأويل رُؤْيا الملك بما يجب أن يفعلوه تحسُّباً للسنوات السبع العجاف التي تلي السبع سنوات المزدهرة بالخُضْرة والعطاء ، فلا يأكلوا مِلْء البطون بل يتناولوا من القمح على قَدْر الكفاف : { إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ } [ يوسف : 47 ] . ويتابع الحق سبحانه ما جاء على لسان يوسف عليه السلام من بقية التأويل لحُلْم الملك : { ثُمَّ يَأْتِي مِن … } .