Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 46-46)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله : { أَيُّهَا ٱلصِّدِّيقُ … } [ يوسف : 46 ] . يدل على أنه قد جرَّبه في مسائل متعددة ، وثبت صدقه . و " صِدِّيق " لا يقتصر معناها على أنه صادق في كل أقواله وصادق في كل أفعاله ، وصادق في كل أحواله ، ولكن معناها يتسع لِيدُلَّنا على أن الصدق ملازم له دائماً في القول وفي الفعل . أما في الأقوال فصدقه واضح لأنه يقول القضية الكلامية ولها واقع من الخارج يدلُّ عليها . وأما صدق الأفعال فهو ألاَّ تُجرِّب عليه كلاماً ، ثم يأتي فعله مخالفاً لهذا الكلام وهذا هو مَنْ نطلق عليه " صِدِّيق " . ونحن نعلم أن حركات الإنسان في الحياة تنقسم قسمين إما قول وإما فعل والقول أداته اللسان ، والفعل أداته كل الجوارح . إذن : فهناك قول ، وهناك فعل وكلاهما عمل فالقول عمل والرؤية بالعين عمل والسمع بالأذن عمل ، والمسُّ باليد عمل . لكن القول اختصَّ باللسان ، وأخذتْ بقية الجوارح الفعل لأن الفعل هو الوسيلة الإعلامية بين متكلم وبين مخاطب ، وأخذ شق الفعل . وهكذا نعلم أن الفعل قسمان : إما قول وإما فعل . والصِّدِّيق هو الذي يصدُق في قوله ، بأن تطابق النسبة الكلامية الواقع ، وصادق في فعله بألاَّ يقول ما لا يفعل . ولذلك قال الحق سبحانه : { كَبُرَ مَقْتاً عِندَ ٱللَّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ } [ الصف : 3 ] . ونعلم أن ساقي الملك كانت له مع يوسف تجربتان : التجربة الأولى : تجربة مُعَايشته في السجن هو وزميله الخباز ، وقولهما له : { إِنَّا نَرَاكَ مِنَ ٱلْمُحْسِنِينَ } [ يوسف : 36 ] . وكان قولهما هذا هو حيثية سؤالهم له أن يُؤوِّل لهما الرؤييين : { قَالَ أَحَدُهُمَآ إِنِّيۤ أَرَانِيۤ أَعْصِرُ خَمْراً وَقَالَ ٱلآخَرُ إِنِّي أَرَانِيۤ أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ ٱلطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ ٱلْمُحْسِنِينَ } [ يوسف : 36 ] . والتجربة الثانية : هي مجيء واقع حركة الحياة بعد ذلك مطابقاً لتأويله للرؤييين . ولذلك يقول له هنا : { يُوسُفُ أَيُّهَا ٱلصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّيۤ أَرْجِعُ إِلَى ٱلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ } [ يوسف : 46 ] . أي : أفتِنَا في رُؤيا سبع بقرات سِمَان يأكلهن سبعُ بقرات شديدة الهُزَال ، وسبع سُنْبلات خُضْر ، وسبع أُخر يابسات ، لَعلِّي أرجع إلى الناس لعلهم يعلمون . وقوله : { أَفْتِنَا … } [ يوسف : 46 ] . يوضح أنه لا يسأل عن رؤيا تخصُّه بل هي تخص رائياً لم يُحدده ، وإنْ كنا قد عرفنا أنها رُؤيا الملك . وقوله : { لَّعَلِّيۤ أَرْجِعُ إِلَى ٱلنَّاسِ … } [ يوسف : 46 ] . هو تحرُّز واحتياط في قضية لا يجزم بها وهو احتياط في واقع قدر الله مع الإنسان ، والسائل قد أخذ أسلوب الاحتياط ليخرجه من أن يكون كاذباً ، فهو يعلم أن أمر عودته ليس في يده ولذلك يُعلمنا الله : { وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَاْىءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذٰلِكَ غَداً * إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ وَٱذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَىٰ أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هَـٰذَا رَشَداً } [ الكهف : 23 - 24 ] . وساعة تقول : " إن شاء الله " تكون قد أخرجتَ نفسك من دائرة الكذب وما دُمْتَ قد ذكرتَ الله فهو سبحانه قادر على أن يَهديك إلى الاختيار المناسب في كل أمر تواجه فيه الاختيار . فكأن الله يُعلِّم عباده أن يحافظوا على أنفسهم ، بأن يكونوا صادقين في أقوالهم وأفعالهم لأنك مهما خططتَ فأنت تخطط بعقل موهوب لك من الله وحين تُقدِم على أيِّ فعل فأيُّ فعل مهما صَغُر يحتاج إلى عوامل متعددة وكثيرة ، لا تملك منها شيئاً لذلك فعليك أنْ تردَّ كلَّ شيء إلى مَنْ يملكه . وهنا قال الساقي : { لَّعَلِّيۤ أَرْجِعُ إِلَى ٱلنَّاسِ … } [ يوسف : 46 ] . وبذلك يُعلِّمنا الحق سبحانه الاحتياط . وأضاف الحق سبحانه على لسان الرجل : { لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ } [ يوسف : 46 ] . وكأن الرجل قد عرف أنه حين يأخذ التأويل من يوسف عليه السلام ويعود به إلى الناس فهو لا يعلم كيف يستقبلون هذا التأويل ؟ أيستقبلونه بالقبول ، أم بالمُحاجَّة فيه ؟ أو يستقبلون التأويل بتصديق ، ويعلمون قَدْرك ومنزلتك يا يوسف فيُخلِّصوك مما أنت فيه من بلاء السجن . وقوله تعالى : { لَّعَلِّيۤ أَرْجِعُ إِلَى ٱلنَّاسِ … } [ يوسف : 46 ] . قد يدفع سائلاً أن يقول : مَنِ الذي كلَّف الساقي بالذَّهاب إلى يوسف أهو الملك أم الحاشية ؟ ونقول : لقد نسبها الساقي إلى الكل للاحتياط الأدائي . ويقول الحق سبحانه من بعد ذلك : { قَالَ تَزْرَعُونَ … } .