Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 77-77)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وهكذا ادَّعَوْا أن داء السرقة في بنيامين قد سبقه إليه شقيق له من قبل ، وقالوا ذلك في مجال تبرئة أنفسهم ، وهكذا وَضُحَتْ ملامح العداوة منهم تجاه يوسف وأخيه . وقولهم : { إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ … } [ يوسف : 77 ] . يُسمَّى في اللغة قضية شرطية . ومعنى القضية الشرطية أن حدثاً يقع بسبب حَدَث وقع قبله ، فهناك حَدَث يحدث وحده ، وهناك حَدَث يحدث بشرط أن يحدث قبله حدث آخر . مثال هذا هو قولك لتلميذ : إنْ تذاكر دروسك تنجحْ ، وهنا حَدَثان ، المذاكرة والنجاح ، فكأن حدوثَ النجاح الشرط فيه حدوث المذاكرة ، ولا بُدَّ أن يحدث الشرط أولاً ثم يحدث الحدث الثاني ، وهو هنا قولهم : { فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ … } [ يوسف : 77 ] . كتعليل لسرقة بنيامين . والمثل من القرآن أيضاً : { فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ … } [ آل عمران : 184 ] . فكأن الله يوضح للرسول صلى الله عليه وسلم : إنْ كذَّبوك الآن فيما تنقل لهم من أخبار السماء فلا تحزن ولا تبتئس فهذا التكذيب ظاهرة عَانَى منها كل الرسل السابقين لك لأنهم يجيئون بما يُنكره المرسل إليهم أولاً ، فلا بد أن يكذبوا ، وهكذا يستقيم الشرط ، لأن الحق سبحانه هنا قد عدل بالشيء عن سببه ، فكان جواب الشرط بعد الزمان الذي حدث فيه الشرط . وهنا قال الحق سبحانه : { إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ … } [ يوسف : 77 ] . أي : لا تعجب يا عزيز مصر لأن هذه خصلة في أولاد راحيل ، قالوا ذلك وهم يجهلون أنهم يتحدثون إلى يوسف ابن راحيل ! ! وكل حدث يحدث للمَلَكات المستقيمة لا بُدَّ أن يُخرج تلك المَلَكات عن وضعها ، ونرى ذلك لحظة أن يتفوَّه واحد بكلمة تُخرج إنساناً مستقيماً عن حاله وتُنغِّصه ، ويدرك بها الإنسان المستقيم ما يؤلمه وينفعل انفعالاً يجعله ينزع للردِّ . ولذلك يوصينا صلى الله عليه وسلم : " إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع " . كي يساعد نفسه على كَظْم ضيقه وغضبه ، ولِيُسرِّب جزءاً من الطاقة التي تشحنه بالانفعال . ولكن يوسف عليه السلام لم ينزع إلى الرد ، لذلك قال الحق سبحانه : { فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ … } [ يوسف : 77 ] . وكان يستطيع أن يقول لهم ما حدث له من عمَّته التي اتهمته بالباطل أنه سرق لتحتفظ به في حضانتها من فَرْط حُبِّها له ، لكن يوسف عليه السلام أراد أن يظل مجهولاً بالنسبة لهم ، لتأخذ الأمور مجراها : { فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ … } [ يوسف : 77 ] . حدث ذلك رغم أن قولهم قد أثَّر فيه ، ولكن قال رأيه فيهم لنفسه : { أَنْتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً وَٱللَّهُ أَعْلَمْ بِمَا تَصِفُونَ } [ يوسف : 77 ] . لأنكم أنتم مَنْ أخذتموني طفلاً لألعب ثم ألقيتموني في الجب وتركتم أبي بلا موانسة … وأنا لم أسرق بل سُرِقت ، وهكذا سرقتم ابناً من أبيه . وهو إنْ قال هذا في نفسه فلا بُدَّ أن انفعاله بهذا القول قد ظهر على ملامحه ، وقد يظهر المعنى على الملامح ، ليصِلَ إليهم المعنى ، والقول ليس إلا ألفاظاً يصل به مدلول الكلام إلى مُسْتمع . وقد وصل المعنى من خلال انفعال يوسف . وقوله : { وَٱللَّهُ أَعْلَمْ بِمَا تَصِفُونَ } [ يوسف : 77 ] . أي : أنه سبحانه أعلم بما تنعتون ، وتظهرون العلامات والسِّمات ، وغلبت كلمة " تصفون " على الكلام . ومثال هذا هو قول الحق سبحانه : { وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ ٱلْكَذِبَ هَـٰذَا حَلاَلٌ وَهَـٰذَا حَرَامٌ … } [ النحل : 116 ] . أي : أن ما تقولونه يُوحِي من تلقاء نفسه أنه كَذِب ، وهكذا نعرف أن كلمة " تَصِف " وكلمة " تصفون " غلب في استعمالهما للكلام الذي يحمل معه دليلَ كَذِبه . ويأتي الحق سبحانه بما جاء على ألسنتهم بعد ذلك : { قَالُواْ يٰأَيُّهَا … } .