Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 7-7)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أي : أن يوسف صار ظَرْفاً للأحداث ، لأن " في " تدل على الظرفية ، ومعنى الظرفية أن هناك شيئاً يُظْرف فيه شيء آخر ، فكأن يوسف صار ظَرْفاً ستدور حوله الأحداث بالأشخاص المشاركين فيها . و " يوسف " اسم أعجمي لذلك فهو " ممنوع من الصرف " أي : ممنوع من التنوين فلا نقول : في يوسفٍ . و { يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ } [ يوسف : 7 ] . وهذا يعني أن ما حدث إنما يُلفِت لقدرة الله سبحانه فقد أُلقِيَ في الجُبِّ وأُنقِذ ليتربى في أرقى بيوت مصر . ونعلم أن كلمة آية تطلق على الأمر العجيب الملفت للنظر ، وهي تَرِد بالقرآن بثلاثة معانٍ : آية كونية : مثل الشمس والقمر والليل والنهار ، وتلك الآيات الكونية رصيد للنظر في الإيمان بواجب الوجود وهو الله سبحانه فساعة ترى الكون منتظماً بتلك الدقة المتناهية لا بُدَّ أن تفكر في ضرورة وجود خالق لهذا الكون . والآيات العجيبة الثانية هي المعجزات الخارقة للنواميس التي يأتي بها الرسل لتدل على صدق بلاغهم عن الله ، مثل النار التي صارت بَرْداً وسلاماً على إبراهيم ، ومثل الماء الذي انفلق وصار كالطود العظيم أمام عصا موسى . وهناك المعنى الثالث لكلمة آية ، والمقصود بها آيات القرآن الكريم . وفي قول الحق سبحانه : { لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ } [ يوسف : 7 ] . نستشف العبرة من كل ما حدث ليوسف الذي كَادَ له إخوته ليتخلصوا منه لكن كَيْدهم انقلب لصالح يوسف . وفي كل ذلك سَلْوى لرسول الله صلى الله عليه وسلم لتثبيت فؤاده فلا يُعِير بالاً لاضطهاد قومه له ، وتآمرهم عليه ، ورغبتهم في نَفْيه إلى الشام ، ومحاولتهم قَتْله ، ومحاولتهم مُقاطعته ، وقد صاروا من بعد ذلك يعيشون في ظلال كَنفِه . إذن : فلا تيأس يا محمد لأن الله ناصرك بإذنه وقدرته ، ولا تستبطئ نصر الله ، أنت ومَنْ معك ، كما جاء في القرآن . { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ ٱلْبَأْسَآءُ وَٱلضَّرَّآءُ وَزُلْزِلُواْ حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ ٱللَّهِ أَلاۤ إِنَّ نَصْرَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ } [ البقرة : 214 ] . ويبين لنا الحق سبحانه ما حدث ليوسف بعد القهر الذي أصابه من إخوته ، ويمر الوقت إلى أن تتحقق رؤيا الخير التي رآها يوسف عليه السلام . ويُقال : إن رؤيا يوسف تحققت في فترة زمنية تتراوح بين أربعين سنة وثمانين عاماً . ولذلك نجد رُؤْيَا الخير يطول أَمَدُ تصديقها ورُؤْيَا الشر تكون سريعة لأن من رحمة الله أن يجعل رؤيا الشر يقع واقعاً وينتهي ، لأنها لو ظلَّتْ دون وقوع لأمد طويل لوقع الإنسان فريسةَ تخيُّل الشر بكُلِّ صوره . والشر لا يأتي إلا على صورة واحدة ، ولكن الخير له صور متعددة فيجعلك الله مُتخيلاً لما سوف يأتيك من الخير بألوان وتآويل شتى . والمثل لدعوة الشر هو دعوة موسى على آل فرعون حين قال : { رَبَّنَا ٱطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ وَٱشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ } [ يونس : 88 ] . ويقول الحق سبحانه : { لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ } [ يوسف : 7 ] . فكل يوم من أيام تلك القصة هناك آية وتُجمع آيات . وهناك قراءة أخرى : " لقد كان في يوسف وإخوته آية للسائلين " أي : أن كل القصة بكل تفاصيلها وأحداثها آية عجيبة . والحق سبحانه أعطانا في القرآن مثلاً على جَمْع الأكثر من آية في آية واحدة ، مثلما قال : { وَجَعَلْنَا ٱبْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً … } [ المؤمنون : 50 ] . مع أن كلاً منهما آية منفردة . ولك أن تنظر إلى قصة يوسف كلها على أنها آية عجيبة تشمل كل اللقطات ، أو تنظر إلى كل لقطة على أنها آية بمفردها . ويقول الحق سبحانه في آخر هذه الآية أن القصة : { آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ } [ يوسف : 7 ] . والسائلون هنا إما من المشركين الذين حرَّضهم اليهود على أنْ يسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مسألة يوسف ، وإما من المسلمين الذين يطلبون العِبَر من الأمم السابقة ، وجاء الوَحْيُ لينزل على الرسول الأميِّ بتلك السورة بالأداء الرفيع المُعْجِز الذي لا يَقْوَى عليه بشر . وأنت حين تقرأ السورة قد تأخذ من الوقت عشرين دقيقة ، هاتْ أنت أيَّ إنسان ليتكلم ثُلث ساعة ، ويظل حافظاً لما قاله لن تجد أحداً يفعل ذلك لكن الحق سبحانه قال لرسوله صلى الله عليه وسلم : { سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَىٰ } [ الأعلى : 6 ] . ولذلك نجد الرسول صلى الله عليه وسلم يحفظ ما أُنزل إليه من ربه ، ويُمليه على صحابته ويصلي بهم ويقرأ في الصلاة ما أُنزِل عليه ، ورغم أن في القرآن آياتٍ متشابهات إلا أنه صلى الله عليه وسلم لم يخطئ مرة أثناء قراءته للقرآن . والأمثلة كثيرة منها قوله الحق : { وَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَآ أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ } [ لقمان : 17 ] . ومرة أخرى يقول : { إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ } [ الشورى : 43 ] وكذلك قول الحق سبحانه : { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ } [ الحجر : 45 ] . وفي موقع آخر يقول الحق : { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ } [ الطور : 17 ] . فكيف يتأتَّى لبشر أميٍّ أن يتذكر كل ذلك ، لولا أن الذي أنزل عليه الوحي قد شاء له ذلك . ويقول الحق سبحانه بعد ذلك : { إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ … } .