Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 14, Ayat: 44-44)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وهذا خطاب من الحق سبحانه لرسوله صلى الله عليه وسلم أن يُنذِرهم بضرورة الاستعداد ليوم القيامة ، وأنه قادمٌ لا محالةَ . وكلمة " يوم " هي ظَرْف زمان ، وظرف الزمان لا بُدَّ له من حَدثٍ يقع فيه ، ويوم القيامة ليس محلَّ إنذار أو تبشير لأن الإنذار أو البشارة لا بُدّ أنْ يكونا في وقت التكليف في الحياة الدنيا . وهكذا يكون المُنْذر به هو تخويفهم مِمّا يحدث لهم في هذا اليوم ، فما سوف يحدث لهم هو العذاب وكأنه قنبلة موقوتة ما إنْ يأتي يوم القيامة حتى تنفجر في وجوههم . وهنا يقول أهل ظُلْم القمة في العقيدة ، وظُلْم الرسالة بمقاومتها وظلم الكون المُسبِّح لله : { رَبَّنَآ أَخِّرْنَآ إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ ٱلرُّسُلَ … } [ إبراهيم : 44 ] . وهم يطلبون تأجيل العذاب لِمُهْلة بسيطة ، يُثبتون فيها أنهم سيُجيبون الدعوة ويطيعون الرسول ، وهم يطلبون بذلك تأجيل قيامتهم . فيكون الجواب من الحق سبحانه : { أَوَلَمْ تَكُونُوۤاْ أَقْسَمْتُمْ مِّن قَبْلُ مَا لَكُمْ مِّن زَوَالٍ } [ إبراهيم : 44 ] . فأنتم قد سبق وأنْ أقسمتُم بأن الله لا يبعث مَنْ يموت وقد قال الحق سبحانه ما قلتم : { وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ ٱللَّهُ مَن يَمُوتُ … } [ النحل : 38 ] . وساعة ترى كلمة " بلى " بعد نَدْب ، فهذا يعني تكذيب ما جاء قبلها ، وهم في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها ظَنُّوا أنهم لن يُبعثُوا ، وظنُّوا أنهم بعد الموت سيصيرون تراباً وهم الذين قالوا : { إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ } [ المؤمنون : 37 ] . وهكذا أكَّدوا لأنفسهم أنه لا بَعْث من بَعْد الحياة ، ومن بعد البعث سنسمع من كل فرد فيهم : { يٰلَيْتَنِي كُنتُ تُرَاباً } [ النبأ : 40 ] . أو : أنهم ظَنُّوا أن الذين أنعَم الله عليهم في الدنيا لن يحرمهم في الآخرة ، كما أورد الحق سبحانه هذا المَثل ، في قوله تعالى : { وَٱضْرِبْ لهُمْ مَّثَلاً رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعاً * كِلْتَا ٱلْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِم مِّنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنَا خِلالَهُمَا نَهَراً * وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً * وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَآ أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَـٰذِهِ أَبَداً * وَمَآ أَظُنُّ ٱلسَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْراً مِّنْهَا مُنْقَلَباً } [ الكهف : 32 - 36 ] . والذي يقول ذلك فَهِم أنه سوف يموت لكنه توهّم أن جنته تلك ستظل على ما هي عليه ، وأنكر قيام الساعة ، وقال : " حتى لو قامت الساعة ، ورُدِدتُ إلى الله فسأجد أفضل من جنتي تلك " . وهو يدعي ذلك وهو لم يُقدّم إيماناً بالله ليجده في الآخرة ، فهو إذن مِمَّنْ أنكروا الزوال أي البعث من جديد ، ووقع في دائرة مَنْ لم يُصدّقوا البعث ، وسبق أنْ قال الحق سبحانه ما أورده على ألسنتهم : { أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي ٱلأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ } [ السجدة : 10 ] . والذين أنكروا البعث يُورِد الحق سبحانه لنا حواراً بينه وبينهم ، فيقول سبحانه وتعالى : { قَالُواْ رَبَّنَآ أَمَتَّنَا ٱثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا ٱثْنَتَيْنِ فَٱعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَىٰ خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ } [ غافر : 11 ] . فيرد الحق سبحانه عليهم : { ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ ٱللَّهُ وَحْدَهُ كَـفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُواْ فَٱلْحُكْمُ للَّهِ ٱلْعَلِـيِّ ٱلْكَبِيرِ } [ غافر : 12 ] . وفي موقع آخر من القرآن نجد حواراً واستجداءً منهم لله يقولون : { رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَٱرْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً … } [ السجدة : 12 ] . ويأتي رَدُّ الحق سبحانه عليهم : { فَذُوقُواْ بِمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَآ إِنَّا نَسِينَاكُمْ … } [ السجدة : 14 ] . وفي موقع ثالث يقول الواحد منهم عند الموت : { رَبِّ ٱرْجِعُونِ * لَعَلِّيۤ أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ … } [ المؤمنون : 99 - 100 ] . فيأتي ردّ الحق سبحانه : { كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَا … } [ المؤمنون : 100 ] . وبعد دخولهم النار يقولون : { رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ } [ المؤمنون : 107 ] . فيقول الحق سبحانه : { قَالَ ٱخْسَئُواْ فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ } [ المؤمنون : 108 ] . وفي موضع آخر يقولون عند اصطراخهم في النار : { رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ ٱلَّذِي كُـنَّا نَعْمَلُ … } [ فاطر : 37 ] . فيأتي الرد من الحق سبحانه : { أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَآءَكُمُ ٱلنَّذِيرُ فَذُوقُواْ فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ } [ فاطر : 37 ] . ونلحظ أنهم في كل آيات التوسُّل لله كي يعودوا إلى الحياة الدنيا يقولون ربنا ، وتناسَوْا أنهم مأخوذون إلى العذاب بمخالفات الألوهية ذلك أن الربوبية عطاؤها كان لكم في الدنيا ، ولم ينقصكم الحق سبحانه شيئاً على الرغم من كفركم . هكذا يكون حال هؤلاء الذين أقسموا أن الحق سبحانه لن يبعثهم ، وأنكروا يوم القيامة ، وأنه لا زوال لهم . أي : لا بَعْث ولا نشور . ويتابع الحق سبحانه القول الكريم : { وَسَكَنتُمْ فِي مَسَـٰكِنِ ٱلَّذِينَ … } .