Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 14, Ayat: 51-51)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

والجزاء أمر طبيعي في الوجود ، وحتى الذين لا يؤمنون بإله ويديرون حركة حياتهم بتقنينات من عندهم قد وضعوا لأنفسهم قوانين جزاء تحدد كل جريمة والعقاب المناسب لها . وبطبيعة الحال لا يكون أمراً غريباً أن يضع خالق الكون نظاماً للجزاء ثواباً وعقاباً ، ولو لم يَضَعْ الحق سبحانه نظاماً للجزاء بالثواب والعقاب لَنالَ كل مُفسدِ بُغْيته من فساده ولأحسّ أهل القيم أنهم قد خُدِعُوا في هذه الحياة . وما دام الجزاء أمراً طبيعياً فلا ظُلْم فيه إذن لأنه صادر عَمَّنْ قال : { لاَ ظُلْمَ ٱلْيَوْمَ … } [ غافر : 17 ] . ولا يجازي الحق سبحانه الجزاء العنيف إلا على الجريمة العنيفة : وقوله سبحانه : { لِيَجْزِيَ ٱللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ … } [ إبراهيم : 51 ] . يعني أن المؤمن أو الكافر سَيلْقى جزاء ما فعل إنْ ثواباً أو عقاباً . والكسب - كما نعلم - هو أن تأخذ زائداً عن الأصل ، فأنت حين تحرم نفسك من شيء في الدنيا ستأخذ جزاء هو الثواب وما يزيد عن الأصل . ومَنْ كسب سيئة سيأخذ عقاباً عليها ، ويُقَال " كسب السيئة " ولا يقال " اكتسبها " ذلك أن ارتكابه للسيئة صار دُرْبة سلوكية ويفرح بارتكابها ، ولا بُدَّ إذن من الجزاء والجزاء يحتاج حساباً ، والحساب يحتاج ميزاناً . وقد يقول المؤمن : إنِّي أُصدِّق ربي ، ولن يظلم ربِّي أحداً . ونقول : إن المقصود بالميزان هو إقامة الحجة ولذلك نجده سبحانه يقول : { فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ } [ القارعة : 6 - 7 ] . ويقول أيضاً : { وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ } [ القارعة : 8 - 9 ] . ونجد القسمة العقلية في الميزان واضحة فهي مرة " ثَقُلَت " ومرة " خَفّت " . أما مَنْ تساوت كِفَّتا ميزانه فَفَسرت حالته سورة الأعراف التي قال فيها الحق سبحانه : { وَعَلَى ٱلأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ … } [ الأعراف : 46 ] . وما دام الحق سبحانه سيحاسب كل نَفْس بما كسبتْ فقد يظنُّ البعض أن ذلك سيستغرق وقتاً ولذلك يتابع سبحانه : { إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } [ إبراهيم : 51 ] . ليبين لنا أنه سبحانه سُيحاسِب كل الخَلْق من لَدُن آدم إلى أنْ تقومَ الساعة بسرعة تناسب قدرته المطلقة . وحين سأل الناسُ الإمام - علياً - كرَّم الله وجهه - : كيف سيحاسب الله الخلق كلهم دفعة واحدة ؟ أجاب الإجابة الدَّالة الشافية ، وقال : " كما يرزقهم جميعاً " . ويقول سبحانه من بعد ذلك : { هَـٰذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ … } .