Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 14, Ayat: 5-5)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
والآيات التي أرسلها الله مع - موسى عليه السلام - والمعجزات التي حدثت معه وبيَّنها وأظهرها لقومه كثيرة ، ورسولنا صلى الله عليه وسلم نزل ومعه معجزة واحدة وهي القرآن ، أما بقية المعجزات الحسية التي حدثتْ مع رسول الله فهي قد جاءت لتثبيت فؤاد المؤمنين برسالته ، ولم يَبْقَ لها أثر من بعد ذلك إلا الذكرى النافعة التي يأتنس بها الصالحون من عباد الله . وكثرة المعجزات التي جاءت مع موسى - عليه السلام - تبين أن القوم الذين أُرسِل لهم قوم لَجج وجدل ، وحين عَدَّد العلماء المعجزات التي جاءت مع موسى وجدها بعضٌ من العلماء تسع آيات ووجدها غيرهم ثلاث عشرة معجزة ووجدها بعضٌ ثالث أربع عشرة . وفي التحقيق لمعرفة تلك الآيات علينا أن نُفرِّق بين الآيات التي صدرت بالنسبة لفرعون والآيات التي جاءتْ لبني إسرائيل . فالعصا التي انقلبت حيَّة تسعى ، واليد التي تُضيء هي لفرعون ، وعدَّد القرآن الآيات التي جاءت مع موسى لفرعون بتسع آيات ، يقول الحق سبحانه : { فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ … } [ النمل : 12 ] . ولم يكن موسى يطلب من فرعون أن يؤمن فهو لم يُرْسَل لهدايته ولكنه جاء لِيُفحمه وليأخذ بني إسرائيل المُرْسَلُ إليهم ، والآيات هي : العصا وَوَضْع اليد في الجيب لتخرج بيضاء ، ونَقْص الأنفس والثمرات والطوفان والجراد والقُمَّل والضفادع والدم ، هذه هي الآيات التسع الخاصة بفرعون . أما بقية الآيات التي جاء بها موسى - عليه السلام - لبني إسرائيل فهي كثيرة مثل : { وَإِذ نَتَقْنَا ٱلْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ … } [ الأعراف : 171 ] . وأيضاً : { وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْغَمَامَ … } [ البقرة : 57 ] . وكذلك قوله الحق : { وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْمَنَّ وَٱلسَّلْوَىٰ … } [ البقرة : 57 ] . ولذلك أجمل الحق سبحانه الآيات التي جاءت مع موسى لقومه : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَآ أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ ٱللَّهِ … } [ إبراهيم : 5 ] . أي : أَعِدْ إلى بُؤْرة شعورهم ما كان في الحاشية وأنْ يستدعوا من الذاكرة أيام الله ، والمراد ما حدث في تلك الأيام ، مثلما نقول نحن " يوم بدر " أو " يوم ذي قار " أو " السادس من أكتوبر " أو " العاشر من رمضان " . وهنا في القول الكريم إما أن يكون التذكير بتلك الأيام الخاصة بالوقائع التي حدثتْ للأقوام السابقين عليهم كقوم نوح وعاد وثمود ، ذلك أن الحق سبحانه قد أعلمهم بقصص الأقوام السابقة عليهم وما حدث من كل قوم تجاه الرسول المُرْسل إليه من الله . أو أن يكون التذكير بالأيام التي أنعم الله فيها على بني إسرائيل بنعمه ، أو ابتلاهم فيها بما يُؤلِمهم ذلك أن الحق سبحانه قال : { وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ ٱللَّهِ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } [ إبراهيم : 5 ] . والصبَّار هو مَنْ يُكثِر الصبر على الأحداث وهي كلمة تُوحِيِ بأن هناك أحداثاً مؤلمة وقَعتْ ، وتحتاج إلى الصبر عليها ، كما تُوحِي كلمة " شكور " بحوادث منعمة تستحق الشكر . وهكذا نجد أن المؤمن يحتاج إلى أمرين صَبْر على ما يُؤلِم ، وشُكْر على ما يُرضي ، وحين تجتمع هاتان الصفتان في مؤمن يكون مُكتمِلَ الإيمان . وقد قال الحق سبحانه : إن تلك الآيات هي أدلة تُوضِّح الطريق أمام المؤمن ، وتُعطي له العِبْرة ، لأنه حين يعلم تاريخ الأقوام السابقة ويجد أنَ مَنْ آمنَ منهم قد عانى من بعض الأحداث المؤلمة لكنه نال رضا الله ونعمه ومَنْ كفر منهم قد تمتع قليلاً ، ثم تلَّقى نقمة الله وغضبه . هنا يُقبِل المؤمن على تحمُّل مَشَاقِّ الإيمان لأنه يثق في أن الحق سبحانه لا يُضِيع أجْر مؤمنٍ ولا بُدَّ لموكب الإيمان أنْ ينتصر ولذلك فالمؤمن يصبر على المحن ، ويشكر على النِّعَم . ويقول الحق سبحانه من بعد ذلك : { وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ ٱذْكُرُواْ … } .