Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 14, Ayat: 6-6)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وهكذا نجد الحق سبحانه وقد جاء بنموذج من أيام معاناتهم من جبروت فرعون ، وكيف خلَّصهم سبحانه من هذا الجبروت ، وكان فرعون يُسلِّط عليهم أقسى ألوان العذاب ، ف " سام " الشيء أي : طلبه و " سام سوء العذاب " أي : طلب العذاب السيء . وقد ذَبَّح فرعون أبناءهم الذكور ، ولم يُذبِّح الإناث لتصبح النساء بلا عائل ويستبيحهُنَّ ، وفي هذا نِكَاية شديدة . ووقف بعض المستشرقين عند هذه الآية ، وقالوا : لقد تعرض القرآن من قبل لهذه الآية في سورة البقرة حين قال : { وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاۤءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ } [ البقرة : 49 ] . فهل هذه الآية في سورة إبراهيم هي البليغة ، أم الآية التي في سورة البقرة خصوصاً وأن الفرق بينهما هو مجيء " الواو " كحرف عطف على ذبح الأبناء باستباحة النساء ؟ وأضاف هذا المستشرق : ولسوف أتنازل عن النظر إلى ما جاء في سورة الأعراف حين قال القرآن : { وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِّنْ آلِ فِرْعَونَ يَسُومُونَكُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ وَفِي ذٰلِكُمْ بَلاۤءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ } [ الأعراف : 141 ] . وبطبيعة الحال ، فهذا المستشرق لم يأخذ فَهْم القرآن عن مَلَكةٍ عربية ، ذلك أنه لو كان قد امتلك هذه القدرة على الفَهْم لَعرفَ أن الكلام لم يصدر في الآيات عن مصدر واحد ، بل صدر عن مصدرين . ففي آية سورة البقرة كان المصدر المتكلم هو الله سبحانه ولذلك قال : { نَجَّيْنَاكُم … } [ البقرة : 49 ] . ولكن المصدر المتكلم في سورة إبراهيم هو موسى عليه السلام لم يَقًُلْ أنه هو الذي أنجاهم بل يُعدِّد النعم التي مَنَّ الله بها عليهم ويمتنّ بها عليهم . وعِلَّة ذلك أن العظيم حين يمتنُّ على غيره لا يمتنُّ إلا بالعظائم ، أما دون العظيم فقد يمتنُّ بما دون ذلك . وأسوق هذا المَثل لمزيد من الإيضاح لا للتشبيه فسبحانه مُنزَّه عن التشبيه ، وأقول : هَبْ أن إنساناً غنياً له أخ رقيق الحال ، وقد يُمد الغنيُّ أخاه الفقير بأشياء كثيرة ، وقد يعتني بأولاده ويقوم برعايته ورعاية أولاده رعاية كاملة . ويأتي ابن الفقير ليقول لابن الغني : لماذا لا تسألون عنا ؟ فيقول ابن الغني : ألم يَأْتِ أبي لك بهذا القلم وتلك البذلة ، بالإضافة إلى الشقة التي تسكنون فيها ؟ ولكن العَمَّ الغنيّ يكتفي بأنْ يقول : أنا أسأل عنكم ، بدليل أنِّي أحضرت لكم الشقة التي تسكنون فيها . إذن : فالكبير حقاً هو الذي يذكر الأمور الكبيرة ، أما الأقل فهو من يُعدِّد الأشياء . وهنا يَصِفُ الحق سبحانه سوْم العذاب وذَبْح الأبناء بالبلاء العظيم في قوله تعالى : { ذٰلِكُمْ بَلاۤءٌ مِّن رَّبَّكُمْ عَظِيمٌ } [ إبراهيم : 6 ] . وهكذا نرى مظهرية الخير التي مَنَّ الله بها عليهم ، وهي الإنجاء من ذبح الأبناء واستباحة النساء وكان ذلك نوعاً من مظهرية الشر . وهذا ابتلاء صعب . وسبق أنْ أوضحنا أنَّ البلاء يكون بالخير أو بالشر ، فقد قال سبحانه : { وَنَبْلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ } [ الأنبياء : 35 ] . فلا الخير دليلُ تكريم ، ولا الشرَّ دليلُ إهانة فهو القائل : { فَأَمَّا ٱلإِنسَانُ إِذَا مَا ٱبْتَلاَهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّيۤ أَكْرَمَنِ * وَأَمَّآ إِذَا مَا ٱبْتَلاَهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّيۤ أَهَانَنِ } [ الفجر : 15 - 16 ] . فالابتلاء في الأصل هو الامتحان إما أنْ تنجحَ فيه أو ترسبَ ولذلك فهو غَيْر مذموم إلا بالنتيجة التي يَؤُول إليها . ويقول سبحانه من بعد ذلك : { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ … } .