Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 15, Ayat: 11-11)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ونجد كلمة : { يَسْتَهْزِئُونَ } [ الحجر : 11 ] . ونجد أن الحق سبحانه قد أوضح هذا الاستهزاء حين قالوا : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ ٱلذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ } [ الحجر : 6 ] . وكأن الحق سبحانه يُوضّح له أن الاستهزاء قد يزيد ، وذلك دليلٌ على أنك قد بلغتَ منهم مَبْلغ الكَيْد ، ولو كان كيدُك قليلاً لخفّفوا كَيْدهم ولكنك جئتَ بأمر قاسٍ عليهم ، وهدمْتَ لهم مذاهبهم ، وهدمْتَ حتى سيادتهم وكذلك سَطْوتهم ، ولم يجدوا غير الاستهزاء ليقاوموك به . ومعنى ذلك أنهم عجزوا عن مقاومة منهجك ويحاولون بالاستهزاء أن يُحققوا لك الخَور لتضعف معتمدين في ذلك على أن كل إنسان يحب أن يكون كريماً في قومه ومُعززاً مُكرّماً . وهنا يريد الحق سبحانه من رسوله أن يُوطِّن نفسه على أنه سيُستهزأ به وسيُحارب وسيُؤْذَى لأن المهمة صعبة وشاقَّة ، وكلما اشتدت معاندتك وإيذاؤك ، فاعلم أن هذه من حيثيات ضرورة مهمتك . ولذلك نجد الرسول صلى الله عليه وسلم قبل أن يتأكد من مهمته أخذته زوْجه خديجة بنت خويلد - رضي الله عنها - عند ورقة بن نوفل وعرف ورقة أنه سَيُؤذَى ، وقال ورقة لرسول الله صلى الله عليه وسلم : ليتني أكون حياً حين يُخرِجك قومك . فتساءل الرسول صلى الله عليه وسلم : أمُخرِجِيّ هُم ؟ قال ورقة : نعم ، لم يأت رجل بمثل ما جئتَ به إلا عُودِي ، وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً . وهكذا شاء الحق سبحانه أن يصحب نزول الرسالة أن يُحصِّنه ضد ما سيحصل له ، ليكون عنده المناعة التي تقابل الأحداث فما دام سيصير رسولاً ، فليعلم أن الطريق مَحْفوف بالإيذاء ، وبذلك لا يُفاجأ بوجود مَنْ يؤذيه . ونحن نعلم أن المناعة تكون موجودة عند مَنْ وبها يستعد لمواجهة الحياة في مكان به وباء يحتاج إلى مَصْل مضاد من هذا الوباء لِيقيَ نفسه منه ، وهذا ما يحدث في الماديات ، وكذلك الحال في المعنويات . ولهذا يُوضِّح سبحانه هذا الأمر لرسوله صلى الله عليه وسلم ، ولتزداد ثقته في الحقِّ الذي بعثه به ربُّه ، ويشتدّ في المحافظة على تنفيذ منهجه . والاستهزاء - كما نعلم - لَوْنٌ من الحرب السلبية فهم لم يستطيعوا مواجهة ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجد ، ولا أنْ يردّوا منهجه الراقي لذلك لجئوا إلى السُّخْرية من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم تنفعهم سخريتهم في النَّيْل من الرسول ، أو النَّيْل من الإسلام ، وفي هذا المعنى ، يقول لنا الحق سبحانه عن مصير الذين يسخرون من الرسول صلى الله عليه وسلم : { كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ … } .