Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 15, Ayat: 16-16)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
والبروج تعني المباني العالية ، والحق سبحانه هو القائل : { أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ ٱلْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ } [ النساء : 78 ] . وهو سبحانه القائل : { وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْبُرُوجِ } [ البروج : 1 ] . والمعنى الجامع لكل هذا هو الزينة المُلْفتة بجِرْمها العالي وقد تكون مُلْفِتة بجمالها الأخَّاذ . والبروج هي جمع بُرْج وهي منازل الشمس والقمر فكلما تحركت الشمس في السماء تنتقل من برج إلى آخر وكذلك القمر ، مصداقاً لقول الحق سبحانه : { كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } [ الأنبياء : 33 ] . وهو سبحانه القائل : { هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلشَّمْسَ ضِيَآءً وَٱلْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلْحِسَابَ } [ يونس : 5 ] . أي : لنضبط كل التوقيتات على ضَوْء تلك الحركة لكل من الشمس والقمر ، ونحن حين نفتح أيَّ جريدة نقرأ ما يُسمَّى بأبواب الطالع ، وفيه أسماء الأبراج : برج الحَمَل ، وبرج الجدي ، وبرج العذراء وغيرها ، وهي أسماء سريانية للمنازل التي تنزلها أبراج النجوم . ويقول الشاعر : @ حَملَ الثورُ جَوْزَة السرطَانِ ورعَى الليْثُ سُنبل المِيزَانِ عقربَ القوس جَدي دَلْو وحُوت ما عرفنَا من أُمة السّريَانِ @@ وهم اثنا عشر برجاً ، ولكل برج مقاييس في الجو والطقس . وحين نقرأ القرآن نجد قول الحق سبحانه : { وَعَلامَاتٍ وَبِٱلنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ } [ النحل : 16 ] . والبعض يحاول أن يجد تأثيراً لكل برج على المواليد الذين يُولدون أثناء ظهور هذا البرج ، ولعل مَنْ يقول ذلك يصل إلى فَهْم لبعض من أسرار الله في كونه ذلك أنه سبحانه قد أقسم بمواقع النجوم ، وقال : { فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ ٱلنُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ } [ الواقعة : 75 - 76 ] . وهناك مَنْ يقول : إن لكل إنسان نجماً يُولَد معه ويموت معه لذلك يُقَال " هوى نجم فلان " ، ونحن لا نجزم بصِحة أو عدم صِحّة مثل هذه الأمور لأنه لم تثبُت علمياً ، والحق سبحانه أعلم بأسراره ، وقد يُعلمها لبعضٍ من خَلْقه . وهنا في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها نجد قول الحق سبحانه : { وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي ٱلسَّمَاءِ بُرُوجاً … } [ الحجر : 16 ] . أي : أن هناك تأكيداً لوجود تلك البروج في السماء ، وليس هذا الجَعْل لتأثيرها في الجو ، أو لأنها علامات نهتدي بها ، فضلاً عن تأثيرها على الحرارة والرطوبة والنباتات ، ولكنها فوق كل ذلك تؤدي مُهمة جمالية كبيرة ، وهي أن تكون زينة لكل مَنْ ينظر إليها . لذلك قال الحق سبحانه : { وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ } [ الحجر : 16 ] . ذلك أن الشيء قد يكون نافعاً لكن ليس له قيمة جمالية وشاء الحق سبحانه أن يجعل للنجوم قيمة جمالية ، ذلك أنه قد خلق الإنسان ، ويعلم أن لنفسه مَلكاتٍ مُتعددة ، وكُلّ مَلَكةٍ لها غذاء . فغذاءُ العين المنظر الجميل والأذن غذاؤها الصوت الجميل ، والأنف غذاؤه الرائحة الطيبة واللسان يعجبه المذاق الطيب ، واليد يعجبها المَلْمَس الناعم وهذا ما نعرفه من غذاء المَلَكات للحواس الخمس التي نعرفها . وهناك مَلَكات أخرى في النفس الإنسانية تحتاج كل منها إلى غذاء معين ، وقد يُسبّب أخذ مَلَكة من مَلَكات النفس لأكثر المطلوب لها من غذاء أن تَفْسد تلك المَلَكة وكذلك قد يُسبِّب الحرمان لِملَكة ما فساداً تكوينياً في النفس البشرية . والإنسان المتوازن هو مَنْ يُغذّي مَلَكاته بشكل مُتوازن ، ويظهر المرض النفسي في بعض الأحيان نتيجةً لنقص غذاء مَلَكة ما من المَلَكات النفسية ، ويتطلب علاجُ هذا المرض رحلةً من البحث عن المَلَكة الجائعة في النفس البشرية . وهكذا نجد في النفس الإنسانية مَلَكة لرؤية الزينة ، وكيف تستميل الزينة النفس البشرية ؟ ونجد المثَل الواضح على ذلك هو وجود مهندسي ديكور يقومون بتوزيع الإضاءة في البيوت بأشكال فنية مختلفة . ولذلك يقول الحق سبحانه عن أبراج النجوم : { وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ } [ الحجر : 16 ] . ونجده سبحانه يقول عن بعض نِعَمه التي أنعم بها علينا : { وَٱلْخَيْلَ وَٱلْبِغَالَ وَٱلْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً … } [ النحل : 8 ] . وهكذا يمتنُّ علينا الحق سبحانه بجمال ما خلق وسخَّره لنا ، ولا يتوقف الأمر عند ذلك ، بل هي في خدمة الإنسان في أمور أخرى : { وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَىٰ بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ ٱلأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ } [ النحل : 7 ] . وهو سبحانه وتعالى الذي جعل تلك الدواب لها منظر جميل فهو سبحانه القائل : { وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ } [ النحل : 6 ] . وهو سبحانه لم يخلق النعم لنستخدمها فقط في أغراضها المُتَاحة ولكن بعضاً منها يروي أحاسيس الجمال التي خلقها فينا سبحانه . وكلما تأثرنا بالجمال وجدنا الجميل ، وفي توحيده تفريد لجلاله . ويقول سبحانه عن السماء والبروج : { وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ … } .